وَالْخَاصُّ وَالْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ وَالْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ وَالنَّصُّ وَالظَّاهِرُ وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، وَمِنْ أَنْوَاعِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرُ وَالْآحَادُ وَالْمُتَّصِلُ وَغَيْرُهُ. لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّرْجِيحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ، وَالْمُقَيَّدُ عَلَى الْمُطْلَقِ وَالْمُبَيَّنُ عَلَى الْمُجْمَلِ وَالنَّاسِخُ عَلَى الْمَنْسُوخِ، وَالْمُتَوَاتِرُ عَلَى الْآحَادِ، وَيُعْرَفُ الْمُتَّصِلُ مِنْ السُّنَّةِ وَالْمُرْسَلُ مِنْهَا وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَّصِلِ وَحَالُ الرُّوَاةِ قُوَّةً وَضَعْفًا فِي حَدِيثٍ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى قَبُولِهِ.
(وَ) الثَّامِنَةُ مَعْرِفَةُ (الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ) فِيهِ فَيَعْرِفُ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إجْمَاعًا وَاخْتِلَافًا لِئَلَّا يَقَعَ فِي حُكْمٍ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يُفْتِي أَوْ يَحْكُمُ فِيهَا، أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ فِيهَا إمَّا بِعِلْمِهِ بِمُوَافَقَةِ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ، أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا الْأَوَّلُونَ بَلْ تَوَلَّدَتْ فِي عَصْرِهِ. وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّاهُ.
(وَ) التَّاسِعَةُ مَعْرِفَةُ (طُرُقِ الِاجْتِهَادِ) الْمُوصِلَةِ إلَى مَدَارِك الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. وَهِيَ مَعْرِفَةُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا سَيُذْكَرُ مَعَ مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ صَحِيحِهِ وَفَاسِدِهِ بِأَنْوَاعِهِ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِي وَالْأَدْوَنِ لِيَعْمَلَ بِهَا. فَالْأَوَّلُ كَقِيَاسِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى التَّأْفِيفِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ كَرَقَبَةٍ وَالْمُقَيَّدُ مَا دَلَّ عَلَيْهَا بِقَيْدٍ كَرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فِي آيَةِ الْقَتْلِ وَالْمُطْلَقُ فِي غَيْرِهَا قَوْلُهُ: (وَالنَّصُّ) وَهُوَ مَا دَلَّ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً كَأَسْمَاءِ الْعَدَدِ. وَالظَّاهِرُ مَا دَلَّ دَلَالَةً ظَنِّيَّةً قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: الْمَنْطُوقُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَهُوَ نَصٌّ إنْ أَفَادَ مَعْنًى لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ كَزَيْدٍ وَظَاهِرٌ إنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ مَرْجُوحًا كَأَسَدٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُتَّصِلُ) بِاتِّصَالِ رُوَاتِهِ إلَى الصَّحَابِيِّ فَقَطْ وَيُسَمَّى الْمَوْقُوفَ أَوْ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُسَمَّى الْمَرْفُوعَ. اهـ. م ر.
قَوْلُهُ: (وَالْمُتَوَاتِرُ) مَا تَرْوِيهِ جَمَاعَةٌ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ جَمَاعَةٍ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ. وَالْآحَادُ مَا يَرْوِيهِ وَاحِدٌ عَنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَّصِلِ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَنَّ الْمُرْسَلَ مَا سَقَطَ مِنْ سَنَدِهِ رَاوٍ أَوْ أَكْثَرُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ أَمْ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ فَهُوَ أَيْ الْمُرْسَلُ مَا سَقَطَ مِنْهُ الصَّحَابِيُّ وَعِبَارَةُ ق ل فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْوَرَقَاتِ وَأَمَّا اصْطِلَاحُ الْمُحَدِّثِينَ فَالْمُرْسَلُ مَا سَقَطَ مِنْهُ الصَّحَابِيُّ وَمَا وَقَفَ عَلَى الصَّحَابِيِّ مَوْقُوفٌ وَمَا وَقَفَ عَلَى التَّابِعِيِّ مَقْطُوعٌ. وَمَا سَقَطَ مِنْهُ رَاوٍ مُنْقَطِعٌ أَوْ رَاوِيَانِ فَمُنْقَطِعٌ مِنْ مَوْضِعَيْنِ إنْ كَانَ بِغَيْرِ اتِّصَالٍ وَإِلَّا فَمُعْضَلٌ وَمَا سَقَطَ أَوَّلُهُ مُعَلَّقٌ وَمَا أُسْنِدَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرْفُوعٌ
قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ الْإِجْمَاعِ) بِمَعْنَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ بِمَعْنَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ الَّذِي يُرِيدُهُ وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ لِأَلْ الْمَوْصُولَةِ.
قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ) أَيْ جَمِيعُ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ جَعْلِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ لِلِاسْتِغْرَاقِ. قَوْلُهُ: (بِمُوَافَقَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِعِلْمِهِ فَالْبَاءُ صِلَةُ الْعِلْمِ أَيْ عِلْمُ أَنَّهُ وَافَقَ بَعْضَ الْمُتَقَدِّمِينَ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَغْلِبَ) مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ مُؤَوَّلٌ بِمَصْدَرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى قَوْلِهِ عَلِمَ فِي قَوْلِهِ: أَمَّا بِعِلْمِهِ أَيْ أَمَّا بِعِلْمِهِ أَوْ بِغَلَبَةٍ عَلَى ظَنِّهِ إلَخْ عَلَى حَدِّ وَلُبْسِ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي وقَوْله تَعَالَى: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: ٥١] قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ: بَلْ يَكْفِي إلَخْ.
قَوْلُهُ: (قِيَاسُ مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جَمِيعِهَا بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ لَيْسَ لَهُ نَاسِخٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَا يُشْتَرَطُ نِهَايَتُهُ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ بَلْ يَكْفِي الدَّرَجَةُ الْوُسْطَى فِي ذَلِكَ مَعَ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ قَوَانِينَ عِلْمِ الْكَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَاجْتِمَاعُ ذَلِكَ كُلِّهِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ أَمَّا مُقَلِّدٌ لَا يَعْدُو أَيْ لَا يُجَاوِزُ مَذْهَبَ إمَامٍ خَاصٍّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعْرِفَةِ قَوَاعِدِ إمَامِهِ وَلْيُرَاعِ فِيهَا مَا يُرَاعِيهِ الْمُطْلَقُ فِي قَوَانِينِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ مَعَ الْمُجْتَهِدِ كَالْمُجْتَهِدِ مَعَ نُصُوصِ الشَّرْعِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعُدُولُ عَنْ نَصِّ إمَامِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (إلَى مَدَارِك) أَيْ مَحَلِّ إدْرَاكِهَا جَمْعُ مُدْرَكٍ بِضَمِّ الْمِيمِ