وَالثَّانِي كَإِحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَكْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ فِيهِمَا. وَالثَّالِثُ كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ فِي الرِّبَا بِجَامِعِ الطُّعْمِ.
(وَ) الْعَاشِرَةُ (مَعْرِفَةُ طَرَفٍ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ) لُغَةً وَإِعْرَابًا وَتَصْرِيفًا، لِأَنَّ بِهِ يُعْرَفُ عُمُومُ اللَّفْظِ وَخُصُوصُهُ وَإِطْلَاقُهُ وَتَقْيِيدُهُ وَإِجْمَالُهُ وَبَيَانُهُ، وَصِيَغُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
(وَ) الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مَعْرِفَةُ طَرَفِ (تَفْسِيرٍ) مِنْ (كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) لِيَعْرِفَ بِهِ الْأَحْكَامَ الْمَأْخُوذَةَ مِنْهُ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ جُمْلَةِ طُرُقِ الِاجْتِهَادِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَحِّرًا فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْعُلُومِ حَتَّى يَكُونَ فِي النَّحْوِ كَسِيبَوَيْهِ وَفِي اللُّغَةِ كَالْخَلِيلِ بَلْ يَكْفِي مَعْرِفَةُ جُمَلٍ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: إنَّ هَذَا سَهْلٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ الْعُلُومَ قَدْ دُوِّنَتْ وَجُمِعَتْ انْتَهَى. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ أَصْلٌ كَصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَلَا بَعْضُهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ مَظَانَّ أَحْكَامِهِ فِي أَبْوَابِهَا فَيُرَاجِعَهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ الْأَدِلَّةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا كَالْأَخْذِ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ، وَكَالِاسْتِصْحَابِ وَمَعْرِفَةِ أُصُولِ الِاعْتِقَادِ. كَمَا حُكِيَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْأَصْحَابِ اشْتِرَاطُهُ ثُمَّ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْعُلُومِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الشَّرْعِ. أَمَّا الْمُقَلِّدُ لِمَذْهَبِ إمَامٍ خَاصٍّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ قَوَاعِدِ إمَامِهِ وَلْيُرَاعِ فِيهَا مَا يُرَاعِي الْمُطْلَقُ فِي قَوَانِينِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ مَعَ الْمُجْتَهِدِ كَالْمُجْتَهِدِ مَعَ نُصُوصِ الشَّرْعِ وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ نَصِّ إمَامِهِ كَمَا لَا يُسَوَّغُ الِاجْتِهَادُ مَعَ النَّصِّ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَا يَخْلُو الْعَصْرُ عَنْ مُجْتَهِدٍ إلَّا إذَا تَدَاعَى الزَّمَانُ وَقَرُبَتْ السَّاعَةُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ وَالْقَفَّالِ إنَّ الْعَصْرَ خَلَا عَنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُجْتَهِدٌ قَائِمٌ بِالْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ يَرْغَبُونَ عَنْهُ فَقَدْ قَالَ مَكْحُولٌ: لَوْ خُيِّرْت بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْقَتْلِ لَاخْتَرْت الْقَتْلَ. وَامْتَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهَذَا ظَاهِرٌ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى إدْرَاكٍ وَالْمُرَادُ مَا يُدْرَكُ مِنْهُ الْحُكْمُ مِنْ نَحْوِ دَلِيلٍ.
قَوْلُهُ: (مَا تَقَدَّمَ) وَهُوَ قَوْلُهُ: فَمِنْ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ إلَخْ وَمِنْ قَوْلِهِ: وَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ إلَخْ وَاَلَّذِي سَيُذْكَرُ هُوَ قَوْلُهُ: مَعْرِفَةُ طَرَفٍ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ وَالتَّفْسِيرِ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا طُرُقٌ لِلِاجْتِهَادِ الَّذِي هُوَ بَذْلُ الْوُسْعِ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بِهِ يُعْرَفُ عُمُومُ اللَّفْظِ) هَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ اللُّغَةِ وَاسْمُ أَنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَقَوْلُهُ: وَصِيَغُ الْأَمْرِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ هَيْئَةَ صِيغَتِهِ فَتُؤْخَذُ مِنْ عِلْمِ التَّصْرِيفِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَعْرِفَةَ مَعْنَاهُ وَلَفْظِهِ فَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ النَّحْوِ وَكَذَا مَعْرِفَةُ الْأَسْمَاءِ وَمَا بَعْدَهَا.
قَوْلُهُ: (لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَحِّرًا) هَذَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: طَرَفٍ فَكَانَ الْأَوْلَى فَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ) هَذَا عُلِمَ وَأَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (كَالْأَخْذِ) أَيْ كَالتَّمَسُّكِ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ كَدِيَةِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ إنَّهَا كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ وَبَعْضُهُمْ إنَّهَا نِصْفُهَا وَبَعْضُهُمْ قَالَ إنَّهَا ثُلُثُهَا فَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِأَقَلَّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَهُوَ الْقَوْلُ: بِأَنَّهَا ثُلُثُهَا فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: كَالْأَخْذِ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ: أَيْ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ، حَيْثُ لَا دَلِيلَ سِوَاهُ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَأَثْبَتَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ مُحَقَّقٌ وَلِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ الْأَكْثَرِ وَمَنَعَهُ غَيْرُهُ فَأَخَذَ بِأَكْثَرَ مَا قِيلَ: احْتِيَاطًا.
قَوْلُهُ: (وَمَعْرِفَةُ أُصُولِ الِاعْتِقَادِ) لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ هَذَا وَالْمُرَادُ بِأُصُولِ الِاعْتِقَادِ عَقَائِدُ التَّوْحِيدِ وَهِيَ مَا يَجِبُ لِلَّهِ وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ وَمَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ وَكَذَا الرُّسُلُ.
قَوْلُهُ: (فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ) أَيْ وَقَدْ فُقِدَ مِنْ بَعْدِ الْخَمْسِمِائَةِ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَنَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يُوجَدُ، وَأَقَلُّهُ قُطْبُ الْغَوْثِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مُجْتَهِدًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَخْلُو الْعَصْرُ) أَيْ كُلُّ عَصْرٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: بَعْدُ إذْ كَيْفَ يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَعْصَارِ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا تَدَاعَى الزَّمَانُ) فِي الْمِصْبَاحِ تَدَاعَى الْبُنْيَانُ تَصَدَّعَ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَآذَنَ بِالِانْهِدَامِ وَالسُّقُوطِ، اهـ. فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ حَيْثُ شَبَّهَ الزَّمَانَ بِبُنْيَانٍ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ وَأَثْبَتَ شَيْئًا مِنْ لَوَازِمِهِ وَهُوَ التَّدَاعِي أَوْ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ حَيْثُ شَبَّهَ التَّقَارُبَ بِالتَّدَاعِي وَاسْتَعَارَ التَّدَاعِيَ لِلتَّقَارُبِ وَاشْتَقَّ مِنْ التَّدَاعِي تَدَاعَى بِمَعْنَى تَقَارَبَ.
قَوْلُهُ: (وَقَرُبَتْ السَّاعَةُ) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (وَامْتَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ وَامْتِنَاعُهُ مِنْهُ حِينَ اسْتَدْعَاهُ الْمَأْمُونُ لِقَضَاءِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاسْتَدْعَاهُ