للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا شَكَّ فِيهِ إذْ كَيْفَ يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَعْصَارِ بِخُلُوِّهَا عَنْ الْمُجْتَهِدِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لَسْنَا مُقَلِّدِينَ لِلشَّافِعِيِّ بَلْ وَافَقَ رَأْيُنَا رَأْيَهُ. وَيَجُوزُ تَبْعِيضُ الِاجْتِهَادِ بِأَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ مُجْتَهِدًا فِي بَابٍ دُونَ بَابٍ فَيَكْفِيهِ عِلْمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ الَّذِي يَجْتَهِدُ فِيهِ.

(وَ) الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ (أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا) وَلَوْ بِصِيَاحٍ فِي أُذُنِهِ فَلَا يُوَلَّى أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ أَصْلًا فَإِنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ إقْرَارٍ وَإِنْكَارٍ. وَالثَّالِثَةَ عَشْرَةَ أَنْ يَكُونَ (بَصِيرًا) فَلَا يُوَلَّى أَعْمَى وَلَا مَنْ يَرَى الْأَشْبَاحَ وَلَا يَعْرِفَ الصُّوَرَ، لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الطَّالِبَ مِنْ الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ الصُّوَرَ إذَا قَرُبَتْ مِنْهُ صَحَّ وَخَرَجَ بِالْأَعْمَى الْأَعْوَرُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ. وَكَذَا مَنْ يُبْصِرُ نَهَارًا فَقَطْ دُونَ مَنْ يُبْصِرُ لَيْلًا فَقَطْ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ «اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَعْمَى» . وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ بِصِحَّةِ وِلَايَةِ الْأَعْمَى، أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَخْلَفَهُ فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ دُونَ الْحُكْمِ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ ثُمَّ عَمِيَ. قَضَى فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَاسْتُثْنِيَ أَيْضًا لَوْ نَزَلَ أَهْلُ قَلْعَةٍ عَلَى حُكْمِ أَعْمَى. فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ.

وَالرَّابِعَةَ عَشْرَةَ أَنْ يَكُونَ (كَاتِبًا) عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى أَنْ يَكْتُبَ إلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ أَمْنًا مِنْ تَحْرِيفِ الْقَارِئِ عَلَيْهِ وَأَصَحُّهُمَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ كَاتِبًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أُمِّيًّا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ الْحِسَابِ لِتَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ الْحِسَابِيَّةِ الْفِقْهِيَّةِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَطْلَبِ، لِأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ لَا يُوجِبُ الْخَلَلَ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَالْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ لَا تُشْتَرَطُ.

وَالْخَامِسَةَ عَشْرَةَ أَنْ يَكُونَ (مُتَيَقِّظًا) بِحَيْثُ لَا يُؤْتَى مِنْ غَفْلَةٍ وَلَا يُخْدَعُ مِنْ غِرَّةٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الْقَاصِّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَنْصُورُ فَحَبَسَهُ وَضَرَبَهُ. اهـ. دَمِيرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (إذْ كَيْفَ يُمْكِنُ الْقَضَاءُ) أَيْ الْحُكْمُ عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ أَيْ كَيْفَ نَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِخُلُوِّ الْعَصْرِ عَنْ مُجْتَهِدٍ إلَخْ. وَهُوَ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَفَّالِ وَالْغَزَالِيِّ وَكَيْفَ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ.

قَوْلُهُ: (كَانُوا يَقُولُونَ) هَذَا لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعِيَ وَلَا يَرُدُّ عَلَى الْمُخَالِفِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ الْخُلُوُّ عَنْ الْمُجْتَهِدِ، لِأَنَّ كَوْنَ هَؤُلَاءِ مُجْتَهِدِينَ لَا يَثْبُتُ أَنَّ الْعَصْرَ لَا يَخْلُو عَنْ مُجْتَهِدٍ لِجَوَازِ خُلُوِّهِ عَنْهُ بَعْدَهُمْ. قَوْلُهُ: (فِي بَابِ) أَيْ كَالْفَرَائِضِ قَوْلُهُ: (الطَّالِبَ) أَيْ الْمُدَّعِيَ وَالْمَطْلُوبَ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ سَمِيعًا) وَلَوْ بِالصِّيَاحِ اهـ ز ي.

قَوْلُهُ: (بَصِيرًا) وَلَوْ فِي النَّهَارِ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَنْ يُبْصِرُ نَهَارًا) وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ وَقْتَ إبْصَارِهِ وَأَمَّا فِي وَقْتِ عَدَمِ الْإِبْصَارِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى إشَارَةٍ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ بَلْ كَانَ يَكْفِيهِ حَكَمْت عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ غَائِبًا أَوْ مَيِّتًا صَحَّ.

قَوْلُهُ: (دُونَ مَنْ يُبْصِرُ لَيْلًا) ضَعِيفٌ ز ي قَالَ حَجّ: وَيَجُوزُ كَوْنُ الْقَاضِي أَعْوَرَ بِخِلَافِ الْإِمَامِ اهـ. وَالْفَرْقُ أَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامِ عَامَّةٌ وَالْأَعْوَرُ لَا يُهَابُ. اهـ. ز ي. يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ تَامَّ الْخِلْقَةِ مُعَظَّمًا عِنْدَ النَّاسِ مَحْبُوبًا لَهُمْ لِأَجْلِ أَنْ يُسْمَعَ كَلَامُهُ.

وَحِينَئِذٍ

فَيُطَاعُ فَيَسْتَقِيمُ نِظَامُ الرَّعِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَمِيَ قَضَى) عِبَارَةُ م ر نَعَمْ لَوْ عَمِيَ بَعْدَ ثُبُوتِ قَضِيَّةٍ عِنْدَهُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُهُ حَكَمْت بِكَذَا وَلَمْ يَحْتَجْ مَعَهُ إلَى إشَارَةٍ نَفَذَ حُكْمُهُ فِيهَا. قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى أَيْضًا) هُوَ اسْتِثْنَاءٌ صُورِيٌّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقَضَاءِ بَلْ فِيهِ حُكْمٌ بَيْنَهُمْ. قَوْلُهُ: (لَوْ نَزَلَ أَهْلُ قَلْعَةٍ) أَيْ اتَّفَقُوا وَرَضَوْا عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فُلَانٌ الْأَعْمَى اهـ أج. وَالْمُرَادُ أَهْلُ الْقَلْعَةِ مِنْ الْكُفَّارِ كَمَا وَقَعَ لِبَنِي قُرَيْظَةَ حَيْثُ قَالُوا لِلْإِمَامِ: لَا نَفْتَحُ لَك الْقَلْعَةَ إلَّا إنْ وَلَّيْت عَلَيْنَا قَاضِيًا أَعْمَى فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ تَوْلِيَتُهُ

لِلضَّرُورَةِ

. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (عَدَمُ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ كَاتِبًا) مُعْتَمَدُ قَوْلِهِ: (لَا يَقْرَأُ) تَفْسِيرٌ أَيْ لَا يَقْرَأُ الْخَطَّ أَيْ لَا يَسْتَخْرِجُهُ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَكْتُبُ أَيْ وَلَا يَحْسِبُ.

قَوْلُهُ: (مُتَيَقِّظًا) قَالَ الْغَزِّيُّ: فَلَا يَصِحُّ تَوْلِيَةُ مُغَفَّلٍ بِأَنْ اخْتَلَّ نَظَرُهُ وَفِكْرُهُ إمَّا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ ق ل: هَذَا تَصْحِيحٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْمُتَيَقِّظِ بِقَوِيِّ الْفِطْنَةِ وَالْحِذْقِ وَالضَّبْطِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ: لَا شَرْطٌ عَلَى الرَّاجِحِ وَعِبَارَةُ م ر بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: كَافٍ أَيْ نَاهِضٌ لِلْقِيَامِ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ بِأَنْ يَكُونَ ذَا يَقِظَةٍ تَامَّةٍ وَقُوَّةٍ عَلَى تَنْفِيذِ الْحَقِّ فَلَا يُوَلَّى مُغَفَّلٌ وَلَا مُخْتَلُّ النَّظَرِ.

قَوْلُهُ: (لَا يُؤْتَى) أَيْ لَا يُصَابُ فِي الْحُكْمِ بِأَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِ الْحَقِّ مِنْ غَفْلَةٍ أَيْ مِنْ أَجْلِ غَفْلَةٍ.

قَوْلُهُ: (مِنْ غِرَّةٍ) أَيْ بِسَبَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>