للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّابِقِ إلَّا أَنْ يُسْتَخْلَفَ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ كَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ فَيَكْفِي عِلْمُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. وَيَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا أَوْ اجْتِهَادِ مُقَلِّدِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا.

وَجَازَ نَصْبُ أَكْثَرَ مِنْ قَاضٍ بِمَحَلٍّ إنْ لَمْ يُشْرَطْ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْحُكْمِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِمَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَسَائِلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَجُوزُ تَحْكِيمُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ فِي غَيْرِ عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ مَعَ وُجُودِ قَاضٍ، وَخَرَجَ بِالْأَهْلِ غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمَيْنِ قَبْلَ الْحُكْمِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا قَاضِيًا وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا وَلَا يَكْفِي رِضَا جَانٍ فِي ضَرْبِ دِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ.

وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ قَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ وَلَوْ زَالَتْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَلَوْ وَلَّاهُ فِي بَلْدَتَيْنِ مُتَبَاعِدَتَيْنِ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ اخْتَارَ الْمُبَاشَرَةَ فِي إحْدَاهُمَا. كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنْ اعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَلَوْ اخْتَارَ إحْدَاهُمَا هَلْ يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِانْعِزَالِهِ عَنْ الْأُخْرَى، أَوْ يُبَاشِرُ كُلًّا مُدَّةً وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا نَعَمْ وَهُوَ الِانْعِزَالُ وَرَجَّحَ الزَّرْكَشِيّ وَجَمْعٌ أَنَّ التَّدْرِيسَ بِمَدْرَسَتَيْنِ فِي بَلْدَتَيْنِ مُتَبَاعِدَتَيْنِ لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ غَيْبَتَهُ عَنْ إحْدَاهُمَا لِمُبَاشَرَةِ الْأُخْرَى لَا يَكُونُ عَزْلًا وَيَسْتَنِيبُ وَفَعَلَهُ الْفَخْرُ بْنُ عَسَاكِرَ بِالشَّامِ وَالْقُدْسِ وَكَالْمُدَرِّسِ الْخَطِيبُ إذَا وُلِّيَ الْخُطْبَةَ فِي مَسْجِدَيْنِ وَالْإِمَامُ إذَا وُلِّيَ إمَامَةَ مَسْجِدَيْنِ وَكَذَا كُلُّ وَظِيفَتَيْنِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ يَتَعَارَضَانِ فِيهِ شَرْحُ م ر وع ش. قَوْلُهُ: (كَشَرْطِ الْقَاضِي) أَيْ فَإِنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ مُجْتَهِدًا شُرِطَ فِيهِ مَا شُرِطَ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا شُرِطَ فِيهِ مَا فِي الْمُقَلِّدِ.

قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يُشْرَطْ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْحُكْمِ) عِبَارَةُ م ر لِأَنَّ اجْتِهَادَهُمَا مُخْتَلِفٌ غَالِبًا فَلَا تَنْفَصِلُ الْخُصُومَاتُ. قَوْلُهُ: (تَحْكِيمُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ أَهْلًا) قَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْحَاوِي: يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ وَيَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي ثُبُوتِ هِلَالِ رَمَضَانَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ وَيَنْفُذُ عَلَى مَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ دُونَ غَيْرِهِ م ر وع ن.

قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ عُقُوبَةِ اللَّهِ) أَمَّا هِيَ فَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا إذْ لَا طَالِبَ لَهَا مُعَيَّنٌ وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ الْمَالِيَّ الَّذِي لَا طَالِبَ لَهُ مُعَيَّنٌ لَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِ. اهـ. م د.

وَقَوْلُهُ: أَنَّ حَقَّ اللَّهِ الْمَالِيَّ أَيْ كَالزَّكَاةِ أَيْ إذَا كَانَ الْمُسْتَحِقُّونَ غَيْرَ مَحْصُورِينَ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَعَ وُجُودِ قَاضٍ) أَيْ إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ مُجْتَهِدًا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ قَاضِي ضَرُورَةً فَيَمْتَنِعُ التَّحْكِيمُ لِوُجُودِ الْقُضَاةِ وَلَوْ قُضَاةَ ضَرُورَةٍ كَمَا نَقَلَهُ ز ي عَنْ م ر. إلَّا إذَا كَانَ الْقَاضِي يَأْخُذُ مَالًا لَهُ وَقَعَ فَيَجُوزُ التَّحْكِيمُ حِينَئِذٍ، كَمَا قَالَهُ ح ل قَالَ ز ي: وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُتَحَاكِمَيْنِ مِمَّنْ يَجُوزُ الْحُكْمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يَمْتَنِعَ فِيمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَعْضَهُ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْقِيَاسُ الِاشْتِرَاطُ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْقَاضِي اهـ ع ن.

قَوْلُهُ: (حُكْمُهُ) أَيْ الْمُحَكَّمِ وَلَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا لَفْظًا فَلَا يَكْفِي السُّكُوتُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا) بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَوْلِيَةٌ مِنْهُ وَرَدَ فِي الْكِفَايَةِ هَذَا الْبِنَاءُ بِأَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ وَغَيْرَهُ قَالُوا: لَيْسَ التَّحْكِيمُ تَوْلِيَةً فَلَا يَحْسُنُ الْبِنَاءُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا صَدَرَ التَّحْكِيمُ مِنْ غَيْرِ قَاضٍ اهـ. شَرْحُ الْبَهْجَةِ فَلَوْ حَكَّمَا اثْنَيْنِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا بِخِلَافِ تَوْلِيَةِ قَاضِيَيْنِ لِيَجْتَمِعَا عَلَى الْحُكْمِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ أَيْ لِأَنَّ الْقَاضِيَيْنِ يَقَعُ بَيْنَهُمَا الْخِلَافُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ الْحَكَمَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ الْحَكَمَيْنِ قَدْ يَكُونَانِ مُجْتَهِدَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا نَادِرٌ وَعِبَارَةُ ع ش وَلَوْ حَكَّمَ اثْنَيْنِ أَيْ كُلٌّ مِنْ خَصْمَيْنِ اُشْتُرِطَ اجْتِمَاعُهُمَا بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ فِي الْقَاضِيَيْنِ: لِظُهُورِ الْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ التَّوْلِيَةَ لِلْمُحَكَّمِ إنَّمَا هِيَ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَرِضَاهُمَا مُعْتَبَرٌ. فَالْحُكْمُ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ حُكْمٌ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِي رِضَا جَانٍ) بِأَنْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ دَمًا فَتَنَازَعَا فِي إثْبَاتِهِ فَحَكَّمَا شَخْصًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَحَكَمَ بِأَنَّ الْقَتْلَ خَطَأٌ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا بِرِضَا عَاقِلَةِ الْجَانِي وَهَذَا فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ: يُشْتَرَطُ زِيَادَةٌ عَلَى رِضَا الْمُحَكَّمَيْنِ رِضَا الْعَاقِلَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَظَهَرَ ارْتِبَاطُهُ بِمَا قَبْلَهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَكْفِي رِضَا جَانٍ أَيْ بِالْإِقْرَارِ بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْمَجْنِيُّ فَأَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ وَكَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، فَلَا يَسْرِي هَذَا الْإِقْرَارُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلَا يَكْفِي رِضَاهُ بِسَبَبِ الْإِقْرَارِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمْ أَيْضًا أَوْ الثُّبُوتِ، كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَعِبَارَتُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمْ أَيْضًا بِهِ وَلَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِإِقْرَارِهِ، فَكَيْفَ يُؤَاخَذُونَ بِرِضَاهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ) بِأَنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُحَكَّمِ عَزَلْتُك فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ.

قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>