للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَشَرْعًا إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبِ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ، وَالْبَيِّنَاتُ جَمْعُ بَيِّنَةٍ وَهُمْ الشُّهُودُ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ بِهِمْ يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: ٤٨] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ: " لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ، دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ " وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: " وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ "، وَاَلَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهَذَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

دَعْوَى قَابِيلَ عَلَى هَابِيلَ، أَنَّهُ أَحَقُّ بِنِكَاحِ تَوْأَمَتِهِ. فَتَرَافَعَا لِأَبِيهِمَا آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَقَالَ لَهُ: لَا تَحِلُّ لَك فَقَالَ لَهُ: هَذَا بِاجْتِهَادِك لَا مِنْ رَبِّي فَأَمَرَهُمَا أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَانًا كَمَا قَصَّ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ. وَتَوْأَمَةُ هَابِيلَ اسْمُهَا لبودا تَزَوَّجَهَا شِيثٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَوْأَمَةُ قَابِيلَ اسْمُهَا إقْلِيمَا وَقِيلَ قُلَيْمَا، بِالتَّصْغِيرِ اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (مَا يَدَّعُونَ) أَيْ يَتَمَنَّوْنَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ وُجُوبِ) أَيْ ثُبُوتِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِهِ) هَذَا يَشْمَلُ الشَّهَادَةَ فَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ لَهُ قَبْلَ عَلَى غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ حَاكِمٍ) أَوْ مُحَكَّمٍ أَوْ سَيِّدٍ أَوْ ذِي شَوْكَةٍ إذَا تَصَدَّى لِفَصْلِ الْأُمُورِ بَيْنَ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ فَضَابِطُهُ: مَنْ يُرْجَى الْخَلَاصُ عَلَى يَدِهِ كَمَا فِي ق ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بِهِمْ يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ) أَيْ يَظْهَرُ وَاسْمُ أَنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ أَيْ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ فَقَوْلُهُ: وَإِذَا دُعُوا إلَخْ دَلِيلٌ لِلدَّعْوَى وَمَا بَعْدَهُ دَلِيلٌ لِلْبَيِّنَاتِ قَوْلُهُ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ» لَوْ حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ أَيْ امْتِنَاعُ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ، أَيْ تَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْجَوَابِ لِامْتِنَاعِ الشَّرْطِ، كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ النُّحَاةِ. أَوْ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ، كَمَا عَلَيْهِ إمَامُهُمْ سِيبَوَيْهِ وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ لِأَنَّ دَعْوَى رِجَالٍ أَمْوَالَ قَوْمٍ كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ إعْطَاءِ النَّاسِ بِدَعَاوِيهِمْ. وَكَذَا لَا إشْكَالَ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِدَعْوَى الرِّجَالِ أَمْوَالَ قَوْمٍ: إعْطَاؤُهُمْ إيَّاهَا وَدَفْعُهُمْ إلَيْهِمْ أَيْ لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَأَخَذَ رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، فَوَضَعَ الدَّعْوَى مَوْضِعَ الْأَخْذِ لِأَنَّهَا سَبَبُهُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ أَخْذَ مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُمْتَنِعٌ، لِامْتِنَاعِ إعْطَاءِ الْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَكَذَلِكَ أَخْذُهُ لِمَا سَيَقَعُ لَوْ وَقَعَ لَوَقَعَ إعْطَاءُ النَّاسِ بِدَعْوَاهُمْ فَصَحَّ مَعْنًى لَوْ هُنَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مُدَّعَاهُمْ أَيْ لَوْ كَانَ كُلُّ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا عِنْدَ الْحَاكِمِ يُعْطَاهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ بِلَا بَيِّنَةٍ، لَادَّعَى إلَخْ، رِوَايَةُ ابْنِ مَاجَهْ ادَّعَى بِحَذْفِ اللَّامِ وَقَوْلُهُ: رِجَالٌ ذَكَرَهُمْ لَا لِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ بَلْ لِأَنَّ الدَّعْوَى غَالِبًا إنَّمَا تَصْدُرُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ الْقَبِيلَيْنِ، كَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ أَيْ وَالْبَرْدَ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ لَادَّعَى نَاسٌ وَأَتَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ لِلْإِشَارَةِ إلَى إقْدَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ عَلَى ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: «دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ» قَدَّمَ الدِّمَاءَ عَلَى الْأَمْوَالِ لِشَرَفِهَا وَعِظَمِ خَطَرِهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا النَّاسُ فَأَطْلَقَ الْجُزْءَ عَلَى الْكُلِّ، وَفِي رِوَايَةٍ تَقْدِيمُ الْأَمْوَالِ عَلَى الدِّمَاءِ، لِأَنَّ الْخُصُومَاتِ فِي الْأَمْوَالِ أَكْثَرُ وَأَغْلَبُ إذْ أَخْذُهَا أَيْسَرُ. وَامْتِدَادُ الْأَيْدِي إلَيْهَا أَسْهَلُ وَمِنْ ثَمَّ تَرَى الْقُضَاةَ بِالتَّعَدِّي عَلَيْهَا أَضْعَافَ الْقُضَاةِ بِالْقَتْلِ. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ) ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ فَائِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ إلَخْ) هِيَ هُنَا وَإِنْ لَمْ تَأْتِ لَفْظًا عَلَى قَانُونِهَا مِنْ وُقُوعِهَا بَيْنَ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ، نَحْوُ مَا قَامَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو وَهِيَ هُنَا بَعْدَ إثْبَاتٍ وَلَا نَفْيَ قَبْلَهَا حَتَّى يَصِحَّ مَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ الَّذِي هُوَ مُؤَدَّاهَا لَكِنَّهَا جَارِيَةٌ عَلَيْهِ تَقْدِيرًا لِأَنَّ لَوْ تُفِيدُ النَّفْيَ إذْ الْمَعْنَى لَا يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ الْمُجَرَّدَةِ لَكِنْ بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّ جَانِبَ الْمُدَّعِي ضَعِيفٌ لِدَعْوَاهُ خِلَافَ الْأَصْلِ. وَلَوْ كَانَ فَاضِلًا شَرِيفًا وَالْمُدَّعِي كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ عَرِيَتْ دَعْوَاهُ عَنْ مُرَجِّحٍ غَيْرِ شَهَادَةٍ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ اقْتَرَنَتْ دَعْوَاهُ بِهِ. وَالْمُرَجِّحُ إمَّا مَعْهُودٌ كَدَعْوَى شَخْصٍ عَلَى آخَرَ وَدِيعَةً، فَيَدَّعِي رَدَّهَا فَمُدَّعِي الرَّدِّ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِمَا عُهِدَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الرَّادَّ لَا يَحْتَاجُ لِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ، وَإِمَّا أَصْلٌ كَمُدَّعِي رِقِّ شَخْصٍ فَيُجِيبُ الْآخَرُ بِالْحُرِّيَّةِ فَمُدَّعِي الْحُرِّيَّةِ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي النَّاسِ وَإِنَّمَا عَرَضَ لَهُمْ الرِّقُّ بِسَبَبِ السَّبْيِ بِشَرْطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>