الْفَصْلِ خَمْسَةُ أُمُورٍ: الدَّعْوَى وَجَوَابُهَا وَالْيَمِينُ وَالْبَيِّنَةُ وَالنُّكُولُ وَتَقَدَّمَ شَرْطُ صِحَّةِ الدَّعْوَى فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَأَنَّ لَهَا سِتَّةَ شُرُوطٍ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ فَمُدْمَجَةٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا سَتَرَاهُ وَالْمُدَّعِي مَنْ خَالَفَ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ وَافَقَهُ. فَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ وَقَدْ أَسْلَمَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ قَبْلَ وَطْءٍ: أَسْلَمْنَا مَعًا فَالنِّكَاحُ بَاقٍ وَقَالَتْ: بَلْ مُرَتَّبًا فَلَا نِكَاحَ فَهُوَ مُدَّعٍ وَهِيَ مُدَّعًى عَلَيْهَا.
(فَإِذَا كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ) بِمَا ادَّعَاهُ (سَمِعَهَا الْحَاكِمُ وَحَكَمَ لَهُ بِهَا) إنْ كَانَتْ مُعَدَّلَةً فَيُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ عَيْنٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْكُفْرِ. وَمَعْنَى كَوْنِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهَا لَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» لِأَنَّ جَانِبَ الْمُنْكِرِ قَوِيٌّ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ فِي الْبَرَاءَةِ وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لِبُعْدِهَا عَنْ التُّهْمَةِ، وَالْيَمِينُ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لِقُرْبِهَا مِنْهَا أَيْ مِنْ التُّهْمَةِ فَجُعِلَ الْقَوِيُّ فِي جَانِبِ الضَّعِيفِ، وَالضَّعِيفُ فِي جَانِبِ الْقَوِيِّ، وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ، زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ «إلَّا فِي الْقَسَامَةِ» ، أَيْ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِيهَا عَلَى الْمُدَّعِي وَكَذَا الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، وَكَذَا يَمِينُ الْمُدَّعِي إذَا رَدَّهَا عَلَيْهِ الْمُنْكِرُ وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ هُنَا دُونَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَى الْمُدَّعِي. وَلَمْ يَقُلْ مَنْ ادَّعَى مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْتَى بِاسْمِ الْفَاعِلِ فِيهِمَا أَوْ بِمَنْ فِيهِمَا لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَذْكُرُ أَمْرًا خَفِيًّا لِعُرُوِّ دَعْوَاهُ عَنْ الْمُرَجِّحِ، وَلِكَوْنِ دَعْوَاهُ تُخَالِفُ الظَّاهِرَ فَكَانَتْ خَفِيَّةً وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَذْكُرُ أَمْرًا ظَاهِرًا وَهُوَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ بِمَعْنَى عَدَمِ ثُبُوتِهِ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَوْصُولَ لِاشْتِرَاطِ كَوْنِ صِلَتِهِ مَعْهُودَةً أَظْهَرُ مِنْ الْمُعَرِّفِ وَهُوَ الْمُدَّعِي فَأَعْطَى الْخَفِيَّ لِلْخَفِيِّ وَالظَّاهِرَ لِلظَّاهِرِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ فِي الْمُدَّعِي ضَرْبًا مِنْ التَّعْرِيفِ الْمَعْنَوِيِّ لِظُهُورِهِ وَإِقْدَامِهِ عَلَى الدَّعْوَى فَأَتَى فِيهِ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ وَالْمُنَكَّرُ فِيهِ ضَرْبٌ مِنْ الْإِبْهَامِ، وَالتَّنْكِيرُ لِاسْتِخْفَائِهِ وَتَأْخِيرِهِ وَكَوْنَهُ إذَا سَكَتَ لَا يُتْرَكُ، فَأَتَى فِيهِ بِمَنْ إذْ فِيهَا إبْهَامُ شَبِيهٍ بِحَالِهِ، تَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: أَظْهَرُ مِنْ الْمُعَرِّفِ وَهُوَ الْمُدَّعِي وَفِيهِ أَنَّ أَلْ الدَّاخِلَةَ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ مَوْصُولَةٌ فَيَكُونُ كَمَنْ الْمَوْصُولَةِ لَا أَنَّهُ أَخْفَى مِنْهَا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّنَا قَصَدْنَا: بِاسْمِ الْفَاعِلِ الدَّوَامَ وَالثَّبَاتَ فَيَكُونُ صِفَةً مُشَبَّهَةً وَأَلْ الدَّاخِلَةُ عَلَيْهَا مَعْرِفَةٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُعَرَّفَ بِأَلْ رُتْبَتُهُ بَعْدَ الْمَوْصُولِ فِي التَّعْرِيفِ. وَقَدْ يُقَالُ كَيْفَ يُقْصَدُ بِالْمُدَّعِي الدَّوَامُ وَالثَّبَاتُ مَعَ أَنَّ دَعْوَاهُ لَا تَدُومُ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا صَمَّمَ عَلَى الدَّعْوَى كَانَ ذَلِكَ دَوَامًا لَهُ. قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ) أَيْ يَذْكُرُ فِيهِ وَلَوْ قَالَ: وَاَلَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْخُصُومَةِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ لَكَانَ أَوْلَى، وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ: اثْنَانِ مِنْهَا فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، وَهُمَا الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ. وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ: فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهِيَ الْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَجَوَابُ الدَّعْوَى أَيْ وَهُوَ الْإِقْرَارُ أَوْ الْإِنْكَارُ. قَوْلُهُ: (وَأَنَّ لَهَا) أَيْ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ) أَيْ الَّتِي بَعْدَ الدَّعْوَى. قَوْلُهُ: (فَمُدْمَجَةٌ) أَيْ دَاخِلَةٌ ضِمْنًا وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ انْدَمَجَ فِيهِ دَخَلَ فِيهِ وَتَسَتَّرَ بِهِ وَدَمَجَ الرَّجُلُ كَلَامَهُ أَبْهَمَهُ اهـ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مُنْدَمِجَةٌ أَيْ دَاخِلَةٌ لَا مُدْمَجَةٌ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى مُبْهَمَةٌ وَلَيْسَ مُرَادًا تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُدَّعِي) هَذِهِ الْوَاوُ بِقَلَمِ الْحُمْرَةِ أَصْلُهَا دَاخِلَةٌ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ، فَأَدْخَلَهَا الشَّارِحُ عَلَى الْمُدَّعِي وَأَدْخَلَ عَلَى الْمَتْنِ الْفَاءَ وَجَعَلَهُ تَفْرِيعًا عَلَى تَعْرِيفِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُمَا مُهِمَّةٌ نَافِعَةٌ أج.
قَوْلُهُ: (مَنْ خَالَفَ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ) : وَقِيلَ: هُوَ مَنْ لَوْ تُرِكَ تَرَكَ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ لَوْ تُرِكَ لَمْ يَتْرُكْ. اهـ. م د. وَاسْتُشْكِلَ تَعْرِيفُ الْمُدَّعِي الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوَدِيعَ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ التَّلَفَ يُخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَدَّعِي أَمْرًا ظَاهِرًا وَهُوَ بَقَاؤُهُ عَلَى الْأَمَانَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، أَنَّ الْأُمَنَاءَ الَّذِينَ يُصَدَّقُونَ فِي الرَّدِّ بِيَمِينِهِمْ مُدَّعُونَ، لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ الرَّدَّ مَثَلًا وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ لَكِنْ اُكْتُفِيَ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا أَيْدِيهِمْ لِغَرَضِ الْمَالِكِ اهـ، حَجّ. اهـ. س ل.
قَوْلُهُ: (مَنْ وَافَقَهُ) لِكَوْنِ الْأَصْلِ عَدَمَ مَا يَدَّعِيهِ الْمُدَّعِي وَمِنْ ثَمَّ اُكْتُفِيَ مِنْهُ بِالْيَمِينِ لِقُوَّتِهِ وَكُلِّفَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً لِضَعْفِ جَانِبِهِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا نِكَاحَ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ وَالْمُصَدَّقَ الزَّوْجُ فَيَدُومُ النِّكَاحُ اهـ م د.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ مُدَّعٍ) لِأَنَّ وُقُوعَ الْإِسْلَامِيِّينَ مَعًا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ مَعَهُ تُصَدَّقُ هِيَ بِيَمِينِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ قَالَ ق ل: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ: الْمُدَّعِي فِي جَانِبِهِ الْبَيِّنَةُ أَيْ إلَّا هَذِهِ وَمَسْأَلَةُ الْقَسَامَةِ وَاللِّعَانِ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْوَدِيعَ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ التَّلَفَ فَإِنَّ الْيَمِينَ فِي جَانِبِهِ فَيَكُونُ أَيْضًا مُسْتَثْنًى وَإِنَّمَا اُسْتُثْنِيَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ أَيْ الَّتِي فِي الشَّرْحِ لِاعْتِضَادِهَا بِالْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ.
قَوْلُهُ: (سَمِعَهَا الْحَاكِمُ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهَا لَمْ تُفِدْهُ شَيْئًا.
قَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute