للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَزْمُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ بَتَّ الْحَبْلَ إذَا قَطَعَهُ فَقَوْلُهُ حِينَئِذٍ: (وَالْقَطْعُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ حَالَ نَفْسِهِ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهَا فَيَقُولُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْإِثْبَاتِ: وَاَللَّهِ لَقَدْ بِعْت بِكَذَا، أَوْ اشْتَرَيْت بِكَذَا وَفِي النَّفْيِ وَاَللَّهِ مَا بِعْت بِكَذَا أَوْ مَا اشْتَرَيْت بِكَذَا. (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ) فَفِيهِ تَفْصِيلٌ (فَإِنْ كَانَ) فِعْلُهُ (إثْبَاتًا حَلَفَ) حِينَئِذٍ (عَلَى الْبَتِّ وَالْقَطْعِ) لِسُهُولَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ) فِعْلُهُ (نَفْيًا مُطْلَقًا حَلَفَ) حِينَئِذٍ (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا عَلِمْت أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا لِأَنَّ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ يَعْسُرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ ذَلِكَ فَلَوْ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ اُعْتُدَّ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَمَّا النَّفْيُ الْمَحْصُورُ فَكَالْإِثْبَاتِ فِي إمْكَانِ الْإِحَاطَةِ بِهِ كَمَا فِي آخِرِ الدَّعَاوَى مِنْ الرَّوْضَةِ فَيَحْلِفُ فِيهِ عَلَى الْبَتِّ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَصْرُ الْيَمِينِ فِي فِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى تَحْقِيقِ مَوْجُودٍ لَا إلَى فِعْلٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَارَ، وَلَمْ يَعْرِفْ فَادَّعَتْ أَنَّهُ غُرَابٌ فَأَنْكَرَ. فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ قَالَهُ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ. وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ يَمِينٍ فَهِيَ عَلَى الْبَتِّ إلَّا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَبْرَأَنِي مُوَرِّثُك مِنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ ذَلِكَ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ. وَلَوْ قَالَ: جَنَى عَبْدُك عَلَيَّ بِمَا يُوجِبُ كَذَا وَأَنْكَرَ. فَالْأَصَحُّ حَلِفُ السَّيِّدِ عَلَى الْبَتِّ لِأَنَّ عَبْدَهُ مَالُهُ وَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِ. وَلِذَلِكَ سُمِعَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ: جَنَتْ بَهِيمَتُك عَلَى زَرْعِي مَثَلًا فَعَلَيْك ضَمَانُهُ فَأَنْكَرَ مَالِكُهَا، حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الشَّكْوَى مِنْ آخِذِهَا.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَلَفَ) أَيْ أَرَادَ الْحَلِفَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ نَشَأَ مِنْ الْكَلَامِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ إلَخْ. وَمِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ إلَخْ فَكَأَنَّ سَائِلًا قَالَ: مَا كَيْفِيَّةُ الْحَلِفِ فَقَالَ: وَمَنْ حَلَفَ إلَخْ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُبْرِئْهُ الْمُدَّعِي مِنْ الْيَمِينِ.

قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى خَطِّهِ أَوْ خَطِّ مُوَرِّثِهِ) : هَذَا لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ لِأَنَّ خَطَّ الْمُوَرِّثِ لَيْسَ فِعْلَ نَفْسِهِ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنَّ الْوَلَدَ رَأَى بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ كَأَبِيهِ أَنَّ ابْنِي فَعَلَ كَذَا وَكَذَا كَأَدَاءِ دَيْنٍ أَوْ طَلَاقٍ وَكَانَ الْوَلَدُ نَاسِيًا لَهُ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ اعْتِمَادًا عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ مِثَالٌ لِلظَّنِّ الْمُؤَكَّدِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ فِعْلَ نَفْسِهِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَيَجُوزُ الْبَتُّ فِي الْحَلِفِ بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ كَأَنْ يَعْتَمِدَ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ: فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ.

قَوْلُهُ: (إثْبَاتًا) كَبَيْعٍ وَإِتْلَافٍ وَغَصْبٍ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (نَفْيًا) : أَيْ أُرِيدَ نَفْيُهُ وَإِلَّا فَالْفِعْلُ نَفْسُهُ لَيْسَ نَفْيًا.

قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان وَعِبَارَةُ م د. أَيْ لَا مَحْصُورًا فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ التَّعْمِيمَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ مُقَابِلُ الْحَصْرِ. فَالْمُطْلَقُ مِثْلُ مَا إذَا ادَّعَى دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِ عَلَى آخَرَ فَقَالَ الْآخَرُ أَبْرَأَنِي مُوَرِّثُك فَإِذَا رَدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ قَالَ: وَاَللَّهِ أَبْرَأَك مُوَرِّثِي أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ أَنَّ مُوَرِّثِي أَبْرَأَنِي أَمَّا لَوْ قَالَ: أَبْرَأَنِي مُوَرِّثُك مِنْ كَذَا يَوْمَ كَذَا وَقْتَ الزَّوَالِ تَعَيَّنَ الْحَلِفُ عَلَى الْبَتِّ فَيَقُولُ وَاَللَّهِ لَمْ يُبْرِئْك مِنْ كَذَا إلَخْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نَفْيٌ مَحْصُورٌ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ إلَخْ) غَرَضُهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمَتْنِ.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَكُونُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (لَا إلَى فِعْلٍ) أَيْ لَا مُسْتَنِدَةً إلَى فِعْلٍ يُنْسَبُ إلَخْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا عَلَى فِعْلٍ يُنْسَبُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا إلَخْ) : هَذِهِ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ نَفْيًا مُطْلَقًا حَلَفَ إلَخْ فَلَوْ ذَكَرَهُ بِجَنْبِهِ قَبْلَ التَّنْبِيهِ لَكَانَ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ: جَنَى عَبْدُك) هَذَا مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ إلَخْ. لِأَنَّ الْمُرَادَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَوْ تَنْزِيلًا فَغَرَضُهُ بِهِ التَّعْمِيمُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ إلَخْ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِعْلُهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَفِعْلِ عَبْدِهِ وَدَابَّتِهِ قَوْلُهُ: (الدَّعْوَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى السَّيِّدِ أَنَّ عَبْدَك فَعَلَ كَذَا. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَيَحْلِفُ الشَّخْصُ عَلَى الْبَتِّ لَا فِي نَفْيٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>