فَبَعْضُ مُوجِبَاتِهِ مَكْرُوهٌ، فَلَوْ عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَلْبِهِ وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ أَيْ بِكَلَامٍ يُسْمِعُ بِهِ نَفْسَهُ، إذْ لَا يُكْرَهُ الْهَمْسُ وَلَا التَّنَحْنُحُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَحْرُمُ حِينَئِذٍ، وَقَوْلُ ابْنُ كَجٍّ إنَّهَا لَا تَجُوزُ أَيْ جَوَازًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فَتُكْرَهُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ اللَّائِقُ بِالتَّعْظِيمِ الْمَنْعُ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهِ وَلَا إلَى الْخَارِجِ مِنْهُ وَلَا إلَى السَّمَاءِ وَلَا يَعْبَثُ بِيَدِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا.
(وَلَا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ، وَ) لَا (الْقَمَرَ) بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ (وَلَا يَسْتَدْبِرُهُمَا) وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاسْتِقْبَالُ دُونَ الِاسْتِدْبَارِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ إنَّهُ لَا أَصْلَ لِلْكَرَاهَةِ فَالْمُخْتَارُ إبَاحَتُهُ، وَحُكْمُ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاسْتِدْبَارِهِ حُكْمُ اسْتِقْبَالِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاسْتِدْبَارِهِمَا.
وَيُسَنُّ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ النَّاسِ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ مَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الْبُنْيَانِ إلَى حَيْثُ لَا يُسْمَعُ لِلْخَارِجِ مِنْهُ صَوْتٌ وَلَا يُشَمُّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَبَعْضُ مُوجِبَاتِهِ) وَهُوَ التَّحَدُّثُ مَكْرُوهٌ، وَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ تُسْتَفَادُ كَرَاهَةُ التَّحَدُّثِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ قَوْلُهُ: وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَجْمُوعِ إلَخْ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْحَدِيثُ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْكَلَامِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ مَا الدَّلِيلُ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَقَطْ؟ . قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَطَسَ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنَصَرَ، وَإِنَّمَا أُمِرَ الْعَاطِسُ بِالْحَمْدِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِخُرُوجِ مَا احْتَقَنَ أَيْ اجْتَمَعَ فِي دِمَاغِهِ مِنْ الْأَبْخِرَةِ.
قَوْلُهُ: (حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَلْبِهِ) أَيْ وَيُثَابُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُمْ: الذِّكْرُ الْقَلْبِيُّ لَا ثَوَابَ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يُطْلَبْ بِخُصُوصِهِ، وَهَذَا مَطْلُوبٌ فِيهِ بِخُصُوصِهِ ع ش عَلَى م ر.
قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّادَةُ الصُّوفِيَّةُ مِنْ جَوَازِ الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ وَالثَّوَابِ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللِّسَانِ لِخُلُوصِهِ مِنْ الرِّيَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَوَابٌ لَمَا أَمَرَ السَّادَةُ الْفُقَهَاءُ بِالْحَمْدِ بِهِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ فِيهِ ذِكْرُ اللِّسَانِ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِقَادُهُ. وَفِيهِ أَنَّ مَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُكْرَهُ فِيهِ ذِكْرُ اللِّسَانِ. وَأَجَابَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتَاوَى الْحَدِيثِيَّةِ بِقَوْلِهِ: الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ ذِكْرًا مُتَعَبَّدًا بِلَفْظِهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ فَضِيلَةٌ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْضَارُهُ لِمَعْنَاهُ مِنْ تَنْزِيهِ اللَّهِ وَإِجْلَالِهِ بِقَلْبِهِ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ذِكْرُ اللِّسَانِ مَعَ حُضُورِ الْقَلْبِ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ الْقَلْبِ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ لَا ثَوَابَ فِيهِ، فَمَنْ نَفَى عَنْهُ الثَّوَابَ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ لَفْظُهُ، وَمَنْ أَثْبَتَ فِيهِ ثَوَابًا أَرَادَ مِنْ حَيْثُ حُضُورُهُ بِقَلْبِهِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ، وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قُلْت: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ إذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ إلَى مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيكَ إذَا لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ لَا أَثَرَ لَهُ حَتَّى لَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يُجْزِيهِ فِي الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ لَا يُسَمَّى قِرَاءَةً وَلَا ذِكْرًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَمِثْلُهُ فِي ابْنِ حَجَرٍ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (فَتُكْرَهُ) مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (إلَى فَرْجِهِ) أَيْ بِلَا حَاجَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَعْبَثُ) هُوَ مِنْ بَابِ فَرِحَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ) أَيْ حَيْثُ لَا سَاتِرَ، وَعِبَارَةُ ز ي قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ أَيْ عِنْدَ طُلُوعِهَا أَوْ غُرُوبِهَا، هَكَذَا أَفْهَمَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ هِيَ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الِاسْتِقْبَالُ بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَتْ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْبَالُهَا إلَّا إذَا نَامَ عَلَى قَفَاهُ، وَحِينَئِذٍ يَبُولُ عَلَى نَفْسِهِ هَكَذَا أَفْهَمَ وَهَكَذَا الْقَمَرُ لَيْلًا. اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ) أَيْ بِعَيْنِهِمَا لَا بِصَدْرِهِ أَوْ ظَهْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (لَا أَصْلَ لِلْكَرَاهَةِ) أَيْ لِكَرَاهَةِ الِاسْتِقْبَالِ.
قَوْلُهُ: (بَيْتِ الْمَقْدِسِ) الْمُرَادُ صَخْرَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ.
قَوْلُهُ: (حُكْمُ اسْتِقْبَالِ إلَخْ) ضَعِيفٌ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاسْتِدْبَارَهُ بِمَا ذُكِرَ مَكْرُوهٌ بِلَا سَاتِرٍ، أَمَّا مَعَ السَّاتِرِ فَلَا كَرَاهَةَ فَإِنْ أَرَادَ الشَّارِحُ حُكْمَهُمَا الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ فَهُوَ مُعْتَمَدٌ، وَإِنْ أَرَادَ حُكْمَهُمَا الَّذِي ذَكَرَهُ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَانَ هَذَا ضَعِيفًا اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَبْعُدَ عَنْ النَّاسِ) أَيْ وَلَوْ فِي الْبَوْلِ إنْ كَانَ ثَمَّ أَحَدٌ غَيْرُهُ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَفِي مَعْنَى الْإِبْعَادِ فِي الصَّحْرَاءِ اتِّخَاذُ الْكُنُفِ فِي الْبُيُوتِ، وَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وَالِاسْتِتَارِ بِنَحْوِ صَخْرَةٍ أَوْ رَاحِلَةٍ فِي الصَّحْرَاءِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْإِبْعَادُ فِي الْمُعَدِّ، وَهُوَ مَا نُقِلَ عَنْ الْحَلِيمِيِّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي عب، وَعَلَّلَهُ فِي