للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ رِيحٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِبْعَادُ عَنْهُمْ سُنَّ لَهُمْ الْإِبْعَادُ عَنْهُ كَذَلِكَ، وَيَسْتَتِرُ عَنْ أَعْيُنِهِمْ بِمُرْتَفِعِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ. مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ» وَيَحْصُلُ السِّتْرُ بِرَاحِلَةٍ أَوْ وَهْدَةٍ أَوْ إرْخَاءِ ذَيْلِهِ. هَذَا إذَا كَانَ بِصَحْرَاءَ أَوْ بُنْيَانٍ لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ كَأَنْ جَلَسَ فِي وَسَطِ مَكَان وَاسِعٍ، فَإِنْ كَانَ فِي مَكَان يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ أَيْ لَا يَغُضُّ عَادَةً كَفَى كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا الْأَدَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ لَا يَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ نَظَرِ عَوْرَتِهِ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُهَا، وَإِلَّا وَجَبَ الِاسْتِتَارُ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ فِي الْخَلْوَةِ كَحَالَةِ الِاغْتِسَالِ وَالْبَوْلِ وَمُعَاشَرَةِ الزَّوْجَةِ، أَمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَيَحْرُمُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

شَرْحِهِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِي غَالِبًا مِنْ فِعْلِهَا فِيهِ مَعَ عَدَمِ الْإِبْعَادِ، وَأَطْلَقَ فِي الْإِمْدَادِ فَشَمِلَ كَلَامُهُ الْأَخْلِيَةَ الْمُعَدَّةَ بِأَنْ يَدْخُلَ أَبْعَدُهَا مِنْ الْحَاضِرِينَ إنْ سَهُلَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ: إنَّهُ فِي غَايَةِ الْمَتَانَةِ وَالِاتِّجَاهِ اهـ. طَبَلَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (سُنَّ لَهُمْ الْإِبْعَادُ عَنْهُ كَذَلِكَ) أَيْ إلَى حَيْثُ لَا يُسْمَعْ لِلْخَارِجِ مِنْهُ صَوْتٌ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَيَسْتَتِرُ عَنْ أَعْيُنِهِمْ بِمُرْتَفِعٍ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا نَاشِئٌ عَنْ تَوَهُّمِ اتِّحَادِ السِّتْرِ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَالسِّتْرُ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ الْمَدَارُ هُنَا عَلَى مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ عَمَّنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ وُجِدَ فِيهِ سَاتِرُ الْقِبْلَةِ أَوْ لَا. فَلَعَلَّ الشَّارِحَ تَبِعَ فِيمَا ذَكَرَهُ صَاحِبَ الرَّوْضِ، وَحِينَئِذٍ فَذِكْرُ إمْكَانِ تَسْقِيفِ الْمَكَانِ وَعَدَمِهِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَتَأَمَّلْ وَافْهَمْ ق ل.

قَالَ الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ: وَاعْتِرَاضُهُ ظَاهِرٌ فَقَدْ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ مَا نَصُّهُ: نَعَمْ إنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ مُسَقَّفٍ أَوْ يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ كَفَى السِّتْرُ بِنَحْوِ جِدَارٍ، وَإِنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَلَا يَكْفِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقِبْلَةِ، وَبَعْضُهُمْ تَوَهَّمَ اتِّحَادَ الْمَوْضِعَيْنِ فَاحْذَرْهُ. اهـ.

قَوْلُهُ: (يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ) أَيْ أَنَّهُ يَحْضُرُ أَمْكِنَةَ الِاسْتِنْجَاءِ وَيَرْصُدُهَا بِالْأَذَى وَالْفَسَادِ؛ لِأَنَّهَا مَوَاضِعُ يُهْجَرُ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَتُكْشَفُ فِيهَا الْعَوْرَاتُ فَأَمَرَ بِسَتْرِهَا اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَحَيْثُ امْتَثَلَ الْأَمْرَ وَفَعَلَ السِّتْرَ مُنِعَ عَنْهُ الشَّيْطَانُ وَأَذِيَّتُهُ، وَالْمَقَاعِدُ جَمْعُ مَقْعَدٍ اسْمُ مَكَان أَيْ يَلْعَبُ فِي مَوَاضِعِ قُعُودِ بَنِي آدَمَ أَيْ الَّتِي تَنْكَشِفُ بِهَا عَوْرَاتُهُمْ أَيْ يُوَسْوِسُ لَهُ حَتَّى يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهِ لِيَنْظُرَ هَلْ هُوَ كَبِيرٌ مَثَلًا أَوْ صَغِيرٌ، أَوْ يُحَدِّثُهُ لِيَفْعَلَ بِفَرْجِهِ الْفَحْشَاءَ وَنَحْوَ ذَلِكَ اهـ. إطْفِيحِيٌّ.

قَوْلُهُ: (مَنْ فَعَلَ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْأَدَبَ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ، وَوَجْهُهُ عَدَمُ تَحَقُّقِ نَظَرِ عَوْرَتِهِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ إرْخَاءِ ذَيْلِهِ) وَمِنْهُ سِلْعَةٌ فَوْقَ عَوْرَتِهِ وَشَعْرٌ كَذَلِكَ كَلِحْيَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ سِتْرٌ إلَّا بِإِرْخَاءِ ذَيْلِهِ لَمْ يُكَلَّفْ بِهِ إنْ أَدَّى إلَى تَنَجُّسِهِ؛ لِأَنَّ فِي تَنَجُّسِ ثَوْبِهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ وَالشَّرْطُ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (أَوْ بِبُنْيَانٍ لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ) كَبُسْتَانٍ.

قَوْلُهُ: (كَفَى) أَيْ الْبِنَاءُ عَلَى السَّاتِرِ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَغُضُّ بَصَرَهُ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ، أَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ نَظَرُ عَوْرَتِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَحَدٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا سَالِبَةٌ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ. الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ يَغُضُّ بَصَرَهُ إلَخْ.؛ لِأَنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ هَذَا النَّفْيَ صَادِقٌ بِصُوَرٍ ثَلَاثَةٍ: إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَصْلًا، أَوْ كَانَ وَيَغُضُّ نَظَرَهُ، أَوْ لَا يَغُضُّ، وَلَكِنْ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فَالسِّتْرُ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ مَنْدُوبٌ.

قَوْلُهُ: (مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُهَا) وَمِثْلُ مَنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ الصَّبِيُّ إذَا كَانَ يَحْكِي الْعَوْرَةَ فَيَحْرُمُ كَشْفُهَا عِنْدَهُ اهـ. ع ن.

قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ) أَيْ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إلَخْ. فَقَوْلُهُ: يَجُوزُ كَشْفُ إلَخْ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ لَا يَغُضُّ بَصَرَهُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: (إمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ) إلَخْ. أَيْ إذَا كَانُوا يَحْرُمُ نَظَرُهُمْ وَلَا يَغُضُّونَ، فَالْحَمْلُ فِي الشِّقَّيْنِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا فِي تَعْبِيرِهِ بِالْجَوَازِ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى الْمَفْهُومِ مِنْ كَوْنِ الِاسْتِتَارِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُسْتَحَبًّا.

قَوْلُهُ: (فِي الْخَلْوَةِ) بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْبِنَاءُ الْمُسَقَّفُ أَوْ الَّذِي يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ شَيْخُنَا. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهَا مَا لَيْسَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَلَوْ صَحْرَاءُ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَمُعَاشَرَةِ) أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>