كَشْفُهَا.
وَلَا يَبُولُ فِي مَوْضِعِ هُبُوبِ الرِّيحِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَابَّةً إذْ قَدْ تَهُبُّ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْبَوْلِ فَتَرُدُّ عَلَيْهِ الرَّشَاشَ وَلَا فِي مَكَان صَلْبٍ لِمَا ذُكِرَ وَلَا يَبُولُ قَائِمًا لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: " مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ " أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِعُذْرٍ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى، وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ بَوْلَةً فِي الْحَمَّامِ فِي الشِّتَاءِ قَائِمًا خَيْرٌ مِنْ شَرْبَةِ دَوَاءٍ وَلَا يَدْخُلُ الْخَلَاءَ حَافِيًا وَلَا مَكْشُوفَ الرَّأْسِ لِلِاتِّبَاعِ. .
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُخَالَطَةِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ) أَيْ الَّذِينَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ النَّظَرُ وَلَا يَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ، وَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الْحَمْلِ. قَوْلُهُ: (فَيَحْرُمُ كَشْفُهَا) وَوُجُوبُ غَضِّ الْبَصَرِ لَا يَمْنَعُ الْحُرْمَةَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَبُولُ قَائِمًا) مِثْلُهُ الْغَائِطُ الْمَائِعُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَابَّةً) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ وَقْتُ هُبُوبِهَا. وَالْحَاصِلُ: كَمَا فِي الْإِيعَابِ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَبُولُ وَيَتَغَوَّطُ مَائِعًا كُرِهَ لَهُ اسْتِقْبَالُهَا أَيْ الرِّيحُ وَاسْتِدْبَارُهَا، أَوْ يَبُولُ فَقَطْ كُرِهَ لَهُ اسْتِقْبَالُهَا أَوْ يَتَغَوَّطُ مَائِعًا فَقَطْ كُرِهَ لَهُ اسْتِدْبَارُهَا كَمَا فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيلِ بِخَوْفِ عَوْدِ الرَّشَاشِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ اسْتِدْبَارِهَا عِنْدَ التَّغَوُّطِ بِغَيْرِ مَائِعٍ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ عَلَى الْأَوْجُهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ عَوْدِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ اهـ. م د.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَمَهَبُّ رِيحٍ أَيْ مَحَلُّ هُبُوبِهَا وَقْتَ هُبُوبِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ، بَلْ يَسْتَدْبِرُهَا فِي الْبَوْلِ وَيَسْتَقْبِلُهَا فِي الْغَائِطِ الْمَائِعِ لِئَلَّا يَتَرَشْرَشُ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْبَوْلِ) أَيْ أَوْ الْغَائِطِ الْمَائِعِ. وَقَوْلُهُ: (فَتَرُدُّ عَلَيْهِ الرَّشَاشَ) أَيْ مِنْهُمَا وَعِبَارَةُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ لِئَلَّا يُصِيبَهُ رَشَاشٌ مِنْ الْخَارِجِ أَيْ بَوْلًا أَوْ غَائِطًا رَقِيقًا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيُّ عَلَى الْأَوَّلِ كَالشَّارِحِ هُنَا.
قَوْلُهُ: (صُلْبٌ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الصَّادِ. بَلْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ حَيْثُ قَالَ صَلْبٌ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تُصَدِّقُوهُ) أَيْ مَنْ قَالَ كَانَ عَادَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَوْلَ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ، فَلَا يُنَافِي مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا» . وَالسُّبَاطَةُ كَالْكُنَاسَةِ لَفْظًا وَمَعْنَى، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَا بُلْت قَائِمًا مُنْذُ أَسْلَمْت، وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْعُذْرِ لِمَا رَوَى «النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا لِعُذْرٍ» ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ قَوِيٍّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَ قَائِمًا مِنْ جُرْحٍ كَانَ بِمَأْبَضِهِ» بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ ضَادٌ مُعْجَمَةٌ مَكْسُورَةٌ وَهُوَ بَاطِنُ الرُّكْبَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ ثَلَاثَةٌ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ لِمَرَضٍ مَنَعَهُ مِنْ الْقُعُودِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْتَشْفَى بِذَلِكَ مِنْ مَرَضٍ وَهُوَ وَجَعُ الصُّلْبِ جَرْيًا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْعَرَبُ تَسْتَشْفِي بِالْبَوْلِ قِيَامًا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقُعُودِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لِكَثْرَةِ النَّجَاسَةِ، فَكَأَنَّهُ بَالَ قَائِمًا مِنْ عُلُوٍّ إلَى أَسْفَلَ.
قَوْلُهُ: (فِي الشِّتَاءِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الصَّيْفُ بِالْأَوْلَى ح ف. لِمَا قِيلَ إنَّ بَوْلَةً فِي الْحَمَّامِ فِي الصَّيْفِ قَائِمًا خَيْرٌ مِنْ شُرْبِ الدَّوَاءِ عَشْرَ مَرَّاتٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَدْخُلُ الْخَلَاءَ حَافِيًا) وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يُنَحِّيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ مُعَظَّمٍ فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا أَنْ يَحْمِلَ فِي الْخَلَاءِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ مِنْ اسْمِ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ، وَشَمِلَ الْمُعَظَّمُ اسْمَ نَفْسِهِ كَأَنْ نَقَشَ اسْمَهُ وَكَانَ مُعَظَّمًا عَلَى خَاتَمٍ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْمَحَلَّاتِ الْمُسْتَقْذَرَةِ بِمَحَلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي اسْتِحْبَابِ تَنْحِيَةِ مَا ذُكِرَ كَالصَّاغَةِ وَمَحَلِّ الْمَكْسِ وَنَحْوِهَا؛ لِجَرَيَانِ الْعِلَّةِ فِيهَا وَهِيَ صَوْنُهُ عَنْ الْمَحَلَّاتِ الْقَذِرَةِ، فَلَوْ دَخَلَ بِهِ وَلَوْ عَمْدًا غَيَّبَهُ نَدْبًا بِنَحْوِ ضَمَّ كَفِّهِ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ فِي يَسَارِهِ خَاتَمٌ فِيهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ نَزْعُهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ لِحُرْمَةِ تَنَجُّسِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَسُئِلَ أَيْضًا عَمَّا لَوْ خُلِقَ عَلَى يَسَارِهِ صُورَةُ جَلَالَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ اسْمٍ مُعَظَّمٍ هَلْ يَسْتَنْجِي بِالْيَمِينِ أَوْ بِالْيَسَارِ؟ . فَأَجَابَ: إنَّهُ يَتَخَيَّرُ حَيْثُ لَمْ يُخَالِطْ الِاسْمَ بِنَجَاسَةٍ، وَإِلَّا فَبِالْيَمِينِ. اهـ.
أَقُولُ: وَلَوْ خُلِقَ ذَلِكَ فِي الْكَفَّيْنِ مَعًا فَهَلْ يُكَلَّفُ لَفَّ خِرْقَةٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ تَكْلِيفِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ م ر: فَبِالْيَمِينِ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ يَجِبُ؛ لِأَنَّ فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ مَشَقَّةً فِي الْجُمْلَةِ ع ش عَلَيْهِ الظَّاهِرُ وُجُوبُ الِاسْتِنْجَاءِ حِينَئِذٍ بِالْيَمِينِ صِيَانَةً لِاسْمِ اللَّهِ الَّذِي فِي الْيَسَارِ عَنْ مُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ.