وَيَعْتَمِدُ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ يَسَارَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَرْفَعَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ ثَوْبَهُ عَنْ عَوْرَتِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَ تَنَجُّسَ ثَوْبِهِ فَيَرْفَعَهُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَيُسْبِلَهُ شَيْئًا قَبْلَ انْقِضَاءِ قِيَامِهِ وَلَا يَسْتَنْجِي بِمَاءٍ فِي مَجْلِسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِذَلِكَ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَيْهِ الرَّشَاشُ فَيُنَجِّسُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ وَالْمُعَدِّ لِذَلِكَ، وَالْمَشَقَّةُ فِي الْمُعَدِّ لِذَلِكَ وَلِفَقْدِ الْعِلَّةِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي الْمُغْتَسَلِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ» وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْفَذٌ يَنْفُذُ مِنْهُ الْبَوْلُ وَالْمَاءُ وَعِنْدَ قَبْرٍ مُحْتَرَمٍ احْتِرَامًا لَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ عِنْدَ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ، قَالَ: وَالظَّاهِرُ تَحْرِيمُهُ بَيْنَ الْقُبُورِ الْمُتَكَرِّرِ نَبْشُهَا لِاخْتِلَاطِ تُرْبَتِهَا بِأَجْزَاءِ الْمَيِّتِ انْتَهَى. وَهُوَ حَسَنٌ وَيُحْرَمُ عَلَى الْقَبْرِ، وَكَذَا فِي إنَاءٍ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَصَحِّ. .
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَيَعْتَمِدُ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ يَسَارَهُ) سَوَاءٌ فِي الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، لَكِنْ هَذَا فِي حَقِّ الْقَاعِدِ، أَمَّا الْقَائِمُ فَيُفَرِّجُ بَيْنَهُمَا، وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ، وَمِثْلُ الْبَوْلِ فِيمَا ذُكِرَ الْغَائِطُ الْمَائِعُ بِخِلَافِ الْجَامِدِ فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَى يَسَارِهِ، وَهَذَا مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَخْشَ التَّنَجُّسَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ) هَذِهِ الْعِلَّةُ قَاصِرَةٌ عَلَى حَالِ خُرُوجِ الْغَائِطِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَيَعْتَمِدُ يَسَارَهُ نَاصِبًا يُمْنَاهُ بِأَنْ يَضَعَ أَصَابِعَهَا عَلَى الْأَرْضِ وَيَرْفَعُ بَاقِيَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ وَلِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ هُنَا اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: إنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَأَنْ يَعْتَمِدَ يَسَارَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ) إلَخْ. عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ نَاصِبًا يُمْنَاهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُسْبِلَهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَسْبَلَ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: أَسْبَلَ إزَارَهُ أَرْخَاهُ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُعَدُّ لِذَلِكَ) نَعَمْ إنْ كَانَ فِي الْأَخْلِيَةِ هَوَاءٌ مَعْكُوسٌ كُرِهَ ذَلِكَ فِيهَا كَمَا يُكْرَهُ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِمْ، فَالْمَدَارُ عَلَى خَوْفِ عَوْدِ الرَّشَاشِ وَعَدَمِهِ شَرْحُ م ر وح ل.
قَوْلُهُ: (فِي الْمُغْتَسَلِ) بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ مَحَلِّ اغْتِسَالِهِ ق ل. أَيْ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ مُبَاحًا، وَإِلَّا حَرُمَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّ عَامَّةَ) أَيْ أَكْثَرُهُ. وَقَالَ م د: أَيْ جَمِيعُ، وَالْوِسْوَاسُ بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمَصْدَرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الشَّيْطَانَ الَّذِي هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ وَسْوَسَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَسْوَسَةً وَوِسْوَاسًا بِكَسْرِ الْوَاوِ وَأَمَّا الْوَسْوَاسُ بِالْفَتْحِ هُوَ الِاسْمُ مِثْلُ الزِّلْزَالِ. اهـ بِحُرُوفِهِ. فَالْمُنَاسِبُ هُنَا قِرَاءَتُهُ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمَصْدَرُ.
قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ قَبْرٍ) أَيْ يُكْرَهُ عِنْدَ قَبْرٍ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَحْرُمَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ) بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ كُفْرًا إنْ قَصَدَ إهَانَتَهُمْ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَى الْقَبْرِ) أَيْ فِيمَا يُحَاذِي الْمَيِّتَ وَلَوْ غَيْرَ نَبِيٍّ وَشَهِيدٍ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا) أَيْ يَحْرُمُ الْبَوْلُ فِي إنَاءٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ أَمِنَ التَّلْوِيثَ بِخِلَافِ نَحْوَ الْفَصْدِ لِلْعَفْوِ عَنْ جِنْسِ الدَّمِ ق ل.
فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بَحَثَ بَعْضُهُمْ حِلَّ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِمُسْتَبْرِئٍ يَدُهُ عَلَى ذَكَرِهِ لِمَنْعِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ سَوَاءٌ السَّلَسُ وَغَيْرُهُ، وَأَقَرَّهُ سم. وَمُرَادُ ابْنُ حَجَرٍ بِالدُّخُولِ مَا يَشْمَلُ الْمُكْثَ، وَمِثْلُ الْمُسْتَبْرِئِ بِالْأَوْلَى الْمُسْتَنْجِي بِالْأَحْجَارِ. وَقَوْلُهُ: يَدُهُ عَلَى ذَكَرِهِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ نَحْوِ خِرْقَةٍ عَلَى ذَكَرِهِ أَمْ لَا. ع ش عَلَى م ر.
فَرْعٌ: يَحْرُمُ إلْقَاءُ الْقَمْلِ مَيِّتًا فِي الْمَسْجِدِ، وَكَذَا حَيًّا؛ لِأَنَّهُ يَمُوتُ وَيَصِيرُ نَجَاسَةً، وَمِنْهُ إلْقَاءُ الْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ بِالْمَسْجِدِ وَفِيهِ الْقَمْلُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا أَلْقَاهُ زَمَنًا يَمُوتُ فِيهِ الْقَمْلُ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ تَعْذِيبٌ مِنْ الْجُوعِ حَرُمَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِإِلْقَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ. وَاخْتَارَ الْعَلَّامَةُ الْبُرُلُّسِيُّ فِي إلْقَاءِ الْقَمْلِ حَيًّا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُؤْذِي أَحَدًا؛ لِأَنَّ التَّعْذِيبَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ. وَنَقَلَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ عَنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ، أَنَّهُ يَحْرُمُ إلْقَاؤُهُ فِي الْمَسْجِدِ حَيًّا وَمَيِّتًا، بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبُرْغُوثَ يَعِيشُ بِأَكْلِ التُّرَابِ دُونَهُ، فَفِي طَرْحِهِ حَيًّا تَعْذِيبٌ لَهُ بِالْجُوعِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُلْقِيَ ثِيَابَهُ وَفِيهَا قَمْلٌ قَبْلَ قَتْلِهِ، وَأَمَّا قَتْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُلَوِّثَ أَرْضَهُ فَجَائِزٌ، كَأَنْ يَكُونَ عَلَى نَحْوِ شَفَقَةٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُقْتَلُ فِيهِ وَدَفْنُهُ فِيهِ حَرَامٌ، بِرْمَاوِيٌّ.