وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَبْرِئَ مِنْ الْبَوْلِ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ بِنَحْوِ تَنَحْنُحٍ وَنَتْرِ ذَكَرٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالْقَصْدُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِمَجْرَى الْبَوْلِ شَيْءٌ يَخَافُ خُرُوجَهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْصُلُ هَذَا بِأَدْنَى عَصْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَكَرُّرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَنَحْنُحٍ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَا قَالَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَجَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ عَدَمُ عَوْدِهِ وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِمُقْتَضَى عَادَتِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَبْرِئْ خَرَجَ مِنْهُ، وَيُكْرَهُ حَشْوُ مَخْرَجِ الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ بِنَحْوِ قُطْنٍ، وَإِطَالَةُ الْمُكْثِ فِي مَحَلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ أَنَّهُ يُورِثُ وَجَعًا فِي الْكَبِدِ.
وَيُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ وُصُولِهِ إلَى مَكَانِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ أَيْ أَتَحَصَّنُ مِنْ الشَّيْطَانِ، اللَّهُمَّ أَيْ يَا اللَّهُ إنِّي أَعُوذُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَبْرِئَ مِنْ الْبَوْلِ) قَالَ شَيْخُنَا م ر: وَكَذَا مِنْ الْغَائِطِ ق ل. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَانْظُرْ بِمَاذَا يَحْصُلُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَقِيَاسُ مَا فِي الْمَرْأَةِ أَنَّهُ يَضَعُ الْيُسْرَى عَلَى مَجْرَى الْغَائِطِ وَيَتَحَامَلُ عَلَيْهِ لِيَخْرُجَ مَا فِيهِ مِنْ الْفَضَلَاتِ إنْ كَانَتْ، وَقَدْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ فِي جُمْلَةِ الصُّوَرِ الْمُحَصِّلَةِ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَمَسْحِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مَجَامِعَ الْعُرُوقِ بِيَدِهِ. اهـ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ انْقِطَاعِهِ) أَيْ بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَنَتْرِ ذَكَرٍ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَكَيْفِيَّةُ النَّتْرِ أَنْ يَمْسَحَ بِيُسْرَاهُ مِنْ دُبُرِهِ إلَى رَأْسِ ذَكَرِهِ، وَيُعِيدُهُ بِلُطْفٍ لِيَخْرُجَ مَا بَقِيَ إنْ كَانَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهِمَا مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالذَّكَرِ، وَتَضَعُ الْمَرْأَةُ أَصَابِعَ يَدِهَا الْيُسْرَى عَلَى عَانَتِهَا. اهـ.
قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَنْتَهِيَ) أَيْ فِي الْخِصَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ الْعَصْرِ وَالتَّنَحْنُحِ.
قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْوُجُوبِ الْمَنْفِيِّ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الظَّاهِرَ) إلَخْ عِلَّةٌ لِنَفْيِ الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ عَامَّةَ) أَيْ جَمِيعَ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ حَشْوُ إلَخْ) أَيْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا يَرِدُ السَّلِسُ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي حَقِّهِ مَعَ الْعَصَبِ، وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ حَشْوُ إلَخْ. بَلْ يَحْرُمُ إنْ بَقِيَ بَعْضُهُ خَارِجًا؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَقَدْ يَجِبُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ كَمَا فِي السَّلِسِ بِهَذَا الشَّرْطِ.
قَوْلُهُ: (وَإِطَالَةُ الْمُكْثِ) أَيْ بِلَا حَاجَةٍ.
قَوْلُهُ: (لِمَا رُوِيَ إلَخْ) وَلَمَا قِيلَ إنَّهُ يُورِثُ الْبَاسُورَ ق ل.
فَائِدَةٌ: مِنْ أَدَامَ نَظَرَهُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ اُبْتُلِيَ بِصُفْرَةِ الْوَجْهِ، وَمَنْ تَفَلَ عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ اُبْتُلِيَ بِصُفْرَةِ الْأَسْنَانِ، وَمَنْ تَمَخَّطَ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ اُبْتُلِيَ بِالْفَقْرِ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ التَّلَفُّتِ اُبْتُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ الْكَلَامِ خُشِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَانِّ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَمَخَّطُوا عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَإِنَّ مِنْهُ يَكُونُ الْبَاسُورُ» وَمِثْلُ الْمُخَاطِ الْبُصَاقُ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ وُصُولِهِ إلَى مَكَانِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ) وَهُوَ مَحَلٌّ جُلُوسِهِ فِي الْفَضَاءِ، وَمَحَلُّ دُخُولِهِ الْخَلَاءَ كَبَابِهِ، وَإِنْ بَعُدَ مَحَلُّ الْجُلُوسِ كَدِهْلِيزٍ طَوِيلٍ، وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَإِذَا غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ قَالَهُ بِقَلْبِهِ، وَلَا مَانِعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحَصِّنَهُ كَمَا إذَا تَلَفَّظَ بِهِ، فَلَوْ كَانَ الْجِنِّيُّ أُطْرُوشًا فَلَا مَانِعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُلْهِمُهُ أَنَّ هَذَا ذَكَرَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ، وَلَوْ دَخَلَ الْخَلَاءَ مَثَلًا بِطِفْلٍ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الطِّفْلِ، فَهَلْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ عَنْ الطِّفْلِ بِاسْمِ اللَّهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك، أَوْ يَقُولُ إنَّهُ تَعَوَّذَ بِك وَفِي ظَنِّيِّ أَنَّ الْغَاسِلَ لِلْمَيِّتِ يَقُولُ بَعْدَ الْغُسْلِ مَا يَقُولُهُ الْمُغْتَسِلُ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْ التَّوَّابِينَ إلَخْ. أَوْ اجْعَلْنَا، وَإِيَّاهُ إلَخْ. فَلْيُرَاجَعْ شَرْحُ الْعُبَابِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَمِنْ ذَلِكَ إرَادَةُ أُمِّ الطِّفْلِ وَضْعَ الطِّفْلِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَمِنْهُ إجْلَاسُهُ عَلَى مَا يُسَمُّونَهُ بِالْقَصْرِيَّةِ فِي عُرْفِهِمْ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (بِاسْمِ اللَّهِ) يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ بَعْدَ الْبَاءِ فِي الرَّسْمِ فِي هَذَا النَّحْلِ، وَإِنَّمَا حُذِفَتْ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهَا، وَكَذَا لَفْظُ اللَّهِ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، فَإِنْ أُضِيفَ إلَيْهِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ حُذِفَتْ لِمَا ذُكِرَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ الْقُرْآنَ فَإِنْ فَعَلَهُ كُرِهَ، وَقِيلَ يَحْرُمُ، وَلَا يَزِيدُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ اقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَيْسَ مَحَلُّ الذِّكْرِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ