(وَالْحُقُوقُ) الْمَشْهُودُ بِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا عَدَدًا أَوْ وَصْفًا (ضَرْبَانِ) أَحَدُهُمَا (حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَ) ثَانِيهمَا (حَقٌّ لِآدَمِيٍّ) وَبَدَأَ بِهِ فَقَالَ: (فَأَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّ) لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ وُقُوعًا (فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ) الْأَوَّلُ (ضَرْبٌ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَاهِدَانِ ذَكَرَانِ) أَيْ رَجُلَانِ وَلَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلْإِنَاثِ وَلَا لِلْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ (وَهُوَ مَا لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْمَالُ) أَصْلًا كَعُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْآدَمِيِّ (وَ) مَا (يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ) غَالِبًا كَطَلَاقٍ وَنِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَإِقْرَارٍ بِنَحْوِ زِنًا، وَمَوْتٍ وَوَكَالَةٍ وَوِصَايَةٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَتَكُونُ الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ وَمَا مَوْصُولَةٌ قَوْلُهُ: (يُذْكَرُ فِيهِ الْعَدَدُ) وَضِدُّهُ وَالذُّكُورَةُ وَضِدُّهَا وَالْمَعْنَى يُذْكَرُ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَعَدُّدُ الشُّهُودِ، وَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعَدُّدُ وَمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الذُّكُورَةُ، وَمَا لَا يُعْتَبَرُ. قَوْلُهُ: (وَالْأَسْبَابَ الْمَانِعَةَ) كَالتُّهْمَةِ قَوْلُهُ: (وَأَسْقَطَ ذِكْرَ فَصْلٍ فِي بَعْضِهَا) هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ السَّابِقِ: كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْهُ فَذِكْرُهُ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ.
قَوْلُهُ: (عَدَدًا) أَيْ وَضِدَّهُ وَقَوْلُهُ: أَوْ وَصْفًا أَيْ مِنْ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَالْأَوْلَى حَذْفُ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ كَوْنَ الْحُقُوقِ ضَرْبَيْنِ أَمْرٌ بِالْعَقْلِ لَا دَخْلَ لِمَا ذُكِرَ فِيهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَأْخِيرَ ذَلِكَ وَذِكْرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: حَقُّ الْآدَمِيِّ ثَلَاثَةٌ فَكَانَ يَقُولُ: بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ عَدَدًا أَوْ وَصْفًا وَكَذَا كَأَنْ يَقُولَ: ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةٌ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يُعْتَبَرُ عَدَدًا أَوْ وَصْفًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ) عِلَّةٌ لِبَدَأَ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ عَقِبِهِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ رَجُلَانِ) لِمَا كَانَ قَوْلُهُ: ذَكَرَانِ يَشْمَلُ الصَّغِيرَيْنِ بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا الرَّجُلَانِ.
قَوْلُهُ: (كَعُقُوبَةٍ لِلَّهِ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّ. وَأَجَابَ الْمَرْحُومِيُّ بِأَنَّ الْكَافَ لِلتَّنْظِيرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَلِلتَّمْثِيلِ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي. قَوْلُهُ: (أَوْ لِآدَمِيٍّ) كَقِصَاصٍ قَوْلُهُ: (وَمَا يَطَّلِعُ) الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ مَا كَمَا فِي نُسَخٍ كَثِيرَةٍ لِأَنَّ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْمَالُ وَمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ قِسْمٌ وَاحِدٌ وَشَيْءٌ وَاحِدٌ وَإِعَادَةُ مَا تُوُهِّمَ أَنَّهُمَا قِسْمَانِ وَأَمْرَانِ مُخْتَلِفَانِ. وَقَدْ يُقَالُ: زَادَ الشَّارِحُ مَا إشَارَةً إلَى أَنْ يَطَّلِعَ مَعْطُوفٌ عَلَى النَّفْيِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا يُقْصَدُ لَا عَلَى الْمَنْفِيِّ وَهُوَ يُقْصَدُ وَحْدَهُ.
قَوْلُهُ: (غَالِبًا) الْمُرَادُ مَا يَكْثُرُ اطِّلَاعُ الرِّجَالِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ اطِّلَاعُ النِّسَاءِ أَغْلَبَ. فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْغَلَبَةَ بِالنِّسْبَةِ لَهُنَّ.
قَوْلُهُ: (كَطَلَاقٍ) أَيْ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ ادَّعَتْهُ الزَّوْجَةُ وَإِنْ ادَّعَاهُ الزَّوْجُ بِعِوَضٍ ثَبَتَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. وَيُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ: لَنَا طَلَاقٌ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ز ي وَفِيهِ أَنَّ الطَّلَاقَ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ وَالثَّابِتُ بِالرَّجُلِ وَالْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ الْعِوَضُ.
قَوْلُهُ: (وَنِكَاحٍ) فَإِنَّ فِيهِ حَقًّا لِلْآدَمِيِّ مِنْ حَيْثُ التَّمَتُّعُ بِالزَّوْجَةِ فَصَحَّ التَّمْثِيلُ بِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الرَّجْعَةِ: وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَفِيهِ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْعِدَّةِ لِصِيَانَةِ مَائِهِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِنَحْوِ الزِّنَا فَيُصَوَّرُ بِأَنْ يُقِرَّ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ بِأَنَّهُ زَنَى ثُمَّ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَيَشْهَدَانِ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَنِكَاحٍ أَيْ لِأَجْلِ إثْبَاتِ الْعِصْمَةِ، فَإِنْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ لِإِثْبَاتِ الْمَهْرِ. أَوْ شَطْرِهِ أَوْ لِلْإِرْثِ فَيَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. وَيَجِبُ عَلَى شُهُودِ النِّكَاحِ ضَبْطُ التَّارِيخِ بِالسَّاعَاتِ وَاللَّحَظَاتِ وَهَذَا مِمَّا يُغْفَلُ عَنْهُ فِي الشَّهَادَةِ بِالنِّكَاحِ وَلَا يَكْفِي الضَّبْطُ بِيَوْمِ الْعَقْدِ فَلَا يَكْفِي أَنَّ النِّكَاحَ عُقِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ أَوْ لَحْظَتَيْنِ أَوْ قَبْلَ الْعَصْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ كَذَلِكَ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَعَلَّقُ بِهِ لِحَاقُ الْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَيْنِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، فَعَلَيْهِ ضَبْطُ التَّارِيخِ كَذَلِكَ لِحَقِّ النَّسَبِ سم عَلَى حَجّ
وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: لِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَعَلَّقُ بِهِ لِحَاقُ الْوَلَدِ إلَخْ. أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجْرِي فِي غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِهَا ذِكْرُ التَّارِيخِ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ: إذَا أُطْلِقَتْ إحْدَاهُمَا وَأُرِّخَتْ الْأُخْرَى أَوْ أُطْلِقَتَا تَسَاقَطَتَا. لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَا شَهِدَا بِهِ فِي تَارِيخٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَقُولُوا: بِخِلَافِ الْمُؤَرَّخَةِ، وَبُطْلَانِ الْمُطْلَقَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَقَالَ الرَّحْمَانِيُّ: أَفْتَى الزِّيَادِيُّ تَبَعًا لِشَيْخِهِ م ر أَنَّ الْحَقَّ إذَا مَضَى عَلَيْهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لَا تُسْمَعُ بِهِ الدَّعْوَى لِمَنْعِ وَلِيِّ الْأَمْرِ الْقُضَاةَ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْ صَاحِبُهُ قَاضِيًا يَدَّعِيهِ عِنْدَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. وَفِيهِ أَنَّ مَنْعَ السُّلْطَانِ الْقُضَاةَ أَنْ يَقْضُوا بَعْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ لَا يُفِيدُ عَدَمَ سَمَاعِ الدَّعْوَى لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَيْسَ مُشَرِّعًا، وَلَوْ سُلِّمَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ إلَّا فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ، نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ مُسْتَنَدٌ فِي الشَّرْعِ بِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ مَنْعُهُ ظَاهِرًا قَوْلُهُ: (وَمَوْتٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى الطَّلَاقِ، يُتَأَمَّلُ فِي كَوْنِهِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ فَإِنْ أُرِيدَ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُ الْإِرْثِ كَانَ مِمَّا قُصِدَ مِنْهُ الْمَالُ فَلَا يُلَائِمُ الْمُمَثَّلَ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْآدَمِيَّ لَهُ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ اهـ شَيْخُنَا. بِأَنْ كَانَ غَائِبًا وَشَهِدَا بِمَوْتِهِ