عَلَيْهِ) أَمَّا الْأُصُولُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: ٢٤] وَلَا يَتَأَتَّى خَفْضُ الْجَنَاحِ مَعَ الِاسْتِرْقَاقِ وَلِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ الشِّرَاءُ، لَا أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْمُعْتِقُ بِإِنْشَائِهِ الْعِتْقَ كَمَا فَهِمَهُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ: فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْفُرُوعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: ٩٢] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: ٢٦] دَلَّ عَلَى نَفْيِ اجْتِمَاعِ الْوَلَدِيَّةِ وُالْعَبْدِيَّةِ. تَنْبِيهٌ شَمَلَ قَوْلُهُ: وَالِدِيهِ أَوْ مَوْلُودِيهِ الذُّكُورَ مِنْهُمَا وَالْإِنَاثَ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا اتَّحَدَ دِينُهُمَا أَمْ لَا لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ وَخَرَجَ مَنْ عَدَاهُمَا مِنْ الْأَقَارِبِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْتِقُونَ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ لِانْتِفَاءِ الْبَعْضِيَّةِ عَنْهُ وَأَمَّا خَبَرُ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ» فَضَعِيفٌ بَلْ قَالَ النَّسَائِيُّ إنَّهُ مُنْكَرٌ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا مِنْ النَّسَبِ أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ. تَتِمَّةٌ لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْوَلِيِّ لِطِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ قَرِيبِهِ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ بِالْغِبْطَةِ وَلَا غِبْطَةَ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَوْ وُهِبَ لِمَنْ ذُكِرَ أَوْ وُصِّيَ لَهُ بِهِ وَلَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ كَأَنْ كَانَ هُوَ مُعْسِرًا أَوْ فَرْعُهُ كَسُوبًا فَعَلَى الْوَلِيِّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَيْ يُكَافِئَ ح ل وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: ١٢] . قَوْلُهُ: (فَيُعْتِقَهُ أَيْ الشِّرَاءُ) . قَالَ م ر فِي حَوَاشِيهِ: ظَنَّ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِنَصَبِ فَيَعْتِقَهُ عَطْفٌ عَلَى فَيَشْتَرِيَهُ. فَيَكُونُ الْوَلَدُ هُوَ الْمُعْتِقَ وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ رَفْعُهُ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ تَقْدِيرُهُ: فَيُعْتِقُهُ الشِّرَاءُ لِأَنَّ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ حَصَلَ الْعِتْقُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى لَفْظٍ وَعَلَى النَّصْبِ يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى
وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَهُوَ حُرٌّ. وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا: مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِعْتَاقِ التَّسَبُّبُ إلَيْهِ بِالشِّرَاءِ لَا نَفْسُ التَّلَفُّظِ بِهِ. وَالْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي سم مَا يُوَافِقُهُ اهـ ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} [مريم: ٨٨] أَيْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي خُزَاعَةَ اسْمِ قَبِيلَةٍ، حَيْثُ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَأَضَافُوا إلَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى صَاهَرَ الْجِنَّ عَلَى مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالَ: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: ١٥٨] . ثُمَّ إنَّهُ تَعَالَى نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: سُبْحَانَهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ شَبِيهًا بِالْوَالِدِ وَلَوْ كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَدٌ لَأَشْبَهَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَا بُدَّ وَأَنْ يُخَالِفَهُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَمَا بِهِ الْمُشَارَكَةُ غَيْرُ مَا بِهِ الْمُمَايَزَةُ، فَيَقَعُ التَّرْكِيبُ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ مُرَكَّبٍ مُمْكِنٌ، فَاِتِّخَاذُهُ لِلْوَلَدِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مُمْكِنًا غَيْرَ وَاجِبِ الْوُجُودِ، وَذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ حَدِّ الْإِلَهِيَّةِ وَيُدْخِلُهُ فِي حَدِّ الْعُبُودِيَّةِ، وَلِذَلِكَ نَزَّهَ تَعَالَى نَفْسَهُ عَنْهُ فَلَمَّا نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ الْوَلَدِ، أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ عِبَادُهُ وَالْعُبُودِيَّةُ تُنَافِي الْوِلَادَةَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ تَفْسِيرِ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ وَالْعُبُودِيَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِبَادَةِ، لِأَنَّهَا تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الْعُبُودِيَّةِ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ حَتَّى بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِي غَايَةِ الذُّلِّ وَالْعَجْزِ وَالْخُضُوعِ، حَتَّى فِي الْآخِرَةِ إلَى الْمَوْلَى الْكَرِيمِ وَذَلِكَ عَيْنُ الْعُبُودِيَّةِ. قَوْلُهُ: (بِالْقَرَابَةِ) أَيْ الْخَاصَّةِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ) أَيْ فِي عِتْقِهِمْ بِالْمِلْكِ. قَوْلُهُ: (بَلْ قَالَ النَّسَائِيُّ إلَخْ) أَيْ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَبِفَرْضِ دَلَالَتِهِ يُرَادُ بِذِي الرَّحِمِ، الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ، حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ق ل.
قَوْلُهُ: (لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْوَلِيِّ) أَيْ يَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ ح ل.
قَوْلُهُ: (إنَّمَا يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ) الْأَوْلَى لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَهَبَ) أَيْ الْقَرِيبُ الْمَذْكُورُ لِمَنْ ذُكِرَ أَيْ لِلطِّفْلِ، أَوْ الْمَجْنُونِ، أَوْ السَّفِيهِ.
قَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ بِقَرِيبِهِ، أَيْ بِجَمِيعِهِ فَإِنْ كَانَ لِجُزْءٍ مِنْهُ لَمْ يَقْبَلْهُ مُطْلَقًا لِضَرَرِهِ بِالسِّرَايَةِ وَلُزُومِ الْقِيمَةِ ق ل وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute