للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَاَلَّذِي يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) أَيْ يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ (خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) فَقَطْ وَلَا يُخَالِفُ مَنْ جَعَلَهَا أَرْبَعَةً كَالْمِنْهَاجِ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنِ مَقْعَدَهُ هُوَ مَنْطُوقُ الثَّانِي هُنَا فَتَوَافَقَا فَتَأَمَّلْهُ. وَعِلَّةُ النَّقْضِ بِهَا غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَلَا نَقْضَ بِالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ، وَلَا بِمَسِّ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ، وَلَا بِمَسِّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ، وَلَا بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ الْأَخِيرَ مِنْهَا مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ ثُمَّ أَجَابَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ فَقَالَ: أَقْرَبُ مَا يُسْتَرْوَحُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَجَمَاهِيرِ الصَّحَابَةِ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

التَّعْبِيرَ بِمَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ أَيْضًا بِأَنَّهُ قَاصِرٌ إذْ لَا يَشْمَلُ الْحَدَثَ الثَّانِيَ وَلَا الثَّالِثَ مَثَلًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْتَهِ بِهِ الْوُضُوءُ بَلْ انْتَهَى بِالْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ عَدَمَ الطَّهَارَةِ أَصْلٌ فِي الْإِنْسَانِ، فَالطِّفْلُ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ لَهُ طَهَارَةٌ لَا يُقَالُ فِي حَدَثِهِ انْتَهَتْ بِهِ طَهَارَتُهُ. وَأَجَابَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ. اهـ. م د. وَذَكَرَهُ عَقِبَ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ يَطْرَأُ عَلَيْهِ فَيُبْطِلُهُ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ مُحْدِثًا، وَلِأَنَّ الْمُتَوَضِّئُ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ كَمَا مَرَّ، فَيَحْتَاجُ لِمَعْرِفَةِ مَا يَنْوِيهِ وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَدَثًا إلَّا مَا كَانَ عَقِبَ طَهَارَةٍ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي يَنْقُضُ الْوُضُوءَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) هَلْ النَّقْضُ بِهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخُصُوصِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ إلَخْ) أَيْ مَفْهُومَ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِ الْمِنْهَاجِ، وَهِيَ قَوْلُهُ مُمْكِنٌ. قَالَ ق ل: لَوْ قَالَ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ هُنَا مِنْ أَفْرَادِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ لِمَكَانِ الشَّرْطِ فِيهِ لَكَانَ أَنْسَبَ، بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ إذْ مَا ذَكَرَهُ لَا يُفِيدُ إسْقَاطَهُ. اهـ ق ل.

قَوْلُهُ: (إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّ نَوْمَ غَيْرِ الْمُمَكِّنِ نَاقِضٌ فَمَنْ عَدَّهَا أَرْبَعَةً اسْتَثْنَى مِنْ الثَّانِي وَهُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ أَيْ الشُّعُورُ نَوْمَ الْمُمَكِّنِ فَلَا نَقْضَ بِهِ، وَالْمُصَنِّفُ أَخَذَ مَفْهُومَ هَذَا الْمُسْتَثْنَى فَعَدَّهُ نَاقِضًا آخَرَ حَيْثُ قَالَ الثَّانِي النَّوْمُ عَلَى غَيْرِ هَيْئَةِ الْمُتَمَكِّنِ أَيْ فَيَنْقُضُ، وَاسْتَعْمَلَ الثَّالِثَ وَهُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ فِي حَقِيقَتِهِ لَا مُطْلَقُ زَوَالِ الشُّعُورِ الصَّادِقِ بِالنَّوْمِ.

قَوْلُهُ: (وَعِلَّةُ النَّقْضِ إلَخْ) صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَاخْتِصَاصُ النَّقْصِ بِهَا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى أَوْ تَعَبُّدِيٌّ، إذْ إثْبَاتُ عِلَّةٍ غَيْرِ مَعْقُولَةٍ غَيْرُ مَعْقُولِ فَتَأَمَّلْ. وَحَاصِلُهُ: الِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّارِحِ بِأَنَّ فِيهِ تَنَاقُضًا. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى لَهُ عِلَّةٌ فِي الْوَاقِعِ، وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى) فِيهِ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى هُوَ الْعِلَّةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْعِلَّةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ قَوْلِهِ الْمَعْنَى كَمَا فَعَلَ م ر فِي شَرْحِهِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهَا غَيْرُهَا) أَيْ نَوْعٌ آخَرُ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْخَمْسَةِ سَادِسٌ كَلَمْسِ الْأَمْرَدِ، وَإِنْ قِيسَ عَلَى جُزْئِيَّاتِهَا كَمَا قَاسُوا عَلَى النَّوْمِ الْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ بِجَامِعِ الْغَلَبَةِ عَلَى الْعَقْلِ. قَوْلُهُ: (فَلَا نَقْضَ بِالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ إلَخْ) . حَاصِلُ الْفُرُوعِ الَّتِي فَرَّعَهَا الشَّارِحُ ثَمَانِيَةٌ: الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ مِنْهَا مُقَابِلُهَا قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ إمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ: مُقَابِلُهُمَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَأَمَّا السَّابِعُ وَالثَّامِنُ: فَلَمْ يُعْلَمْ الْمُقَابِلُ فِيهِمَا مِنْ مَذْهَبِنَا وَلَا مِنْ مَذْهَبِ غَيْرِنَا فَلْيُرَاجَعْ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي فِي تَعْلِيلِ الثَّامِنِ عَلَى الْأَصَحِّ يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِ خِلَافًا فِي مَذْهَبِنَا، وَالشَّارِحُ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ مُطَّلِعٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَلَا بِمَسِّ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ) لَا نَقْضَ بِهِ وَلَكِنَّهُ حَرَامٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَهْوَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ م ر حَيْثُ قَالَ: وَخَرَجَ بِالنَّظَرِ الْمَسُّ أَيْ لِلْأَمْرَدِ فَيَحْرُمُ، وَإِنْ حَلَّ أَيْ النَّظَرُ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ وَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ) أَيْ الْبَعِيرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ع ش.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْأَرْبَعَةِ) هُوَ الْمُعْتَمَدِ، وَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ إضَافَةُ رَفْعِ الْحَدَثِ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا اتِّفَاقًا ق ل. قَوْلُهُ: (الْأَخِيرَ) أَيْ النَّقْضَ بِهِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ) أَيْ وَهُوَ مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ «رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: إنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ. قَالَ: أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ تَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ» . وَعَنْ «الْبَزَّارِ سُئِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ فَأَمَرَ بِهِ» اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (أَقْرَبُ مَا يُسْتَرْوَحُ إلَيْهِ) أَرْوَحُ وَاسْتَرْوَحَ وَاسْتَرَاحَ كُلٌّ بِمَعْنًى أَيْ: فَالْمَعْنَى هُنَا أَقْرَبُ مَا يُشَمُّ رِيحُهُ مِنْ الْجَوَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>