للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِمَّا يُضَعِّفُ النَّقْضَ بِهِ أَنَّ الْقَائِلَ بِهِ لَا يُعَدِّيهِ إلَى شَحْمِهِ وَسَنَامِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَلَا بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِلَّا لَمَا اخْتَصَّ النَّقْضُ بِهَا كَسَائِرِ النَّوَاقِضِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهَا تَنْقُضُ فَضَعِيفٌ، وَلَا بِالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجِ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَسَا الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَقَامَ أَحَدُهُمَا يُصَلِّي فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْكُفَّارِ بِسَهْمٍ فَنَزَعَهُ وَصَلَّى وَدَمُهُ يَجْرِي، وَعَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ» . وَأَمَّا صَلَاتُهُ مَعَ الدَّمِ فَلِقِلَّةِ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ وَلَا بِشِفَاءِ دَائِمِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ حَدَثَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ فَكَيْفَ يَصِحُّ عَدُّ الشِّفَاءِ سَبَبًا لَهُ مَعَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَنْ الْمَذْهَبِ اج. أَيْ أَقْرَبُ مَا يُمَالُ إلَيْهِ وَيُسْتَنَدُ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ النَّقْضِ بِهِ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي عَدَمِ النَّقْضِ.

قَوْلُهُ: (قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ) أَيْ بِعَدَمِ النَّقْضِ فَمَقُولُ الْقَوْلِ مَحْذُوفٌ أَيْ فَهُوَ إجْمَاعٌ، وَالْإِجْمَاعُ مُقَدَّمٌ عَلَى تِلْكَ الْأَحَادِيثِ لِاحْتِمَالِ نَسْخِهَا، أَوْ؛ لِأَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى سَبَبٍ كَمَا فِي م ر. وَقَوْلُهُ: (وَمِمَّا يُضَعِّفُ) إلَخْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ لَا مَقُولِ قَوْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إلَخْ. لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ مَحْذُوفٌ، وَأَمَّا خَبَرٌ: «مَنْ أَكَلَ لَحْمَ جَزُورٍ فَلْيَتَوَضَّأْ» فَمَنْسُوخٌ بِمَا رَوَاهُ جَابِرٌ: «تَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوُضُوءَ مِمَّا غَيَّرَتْهُ النَّارُ» . الشَّامِلُ لِلَّحْمِ الْجَزُورِ. وَاعْتُرِضَ هَذَا بِأَنَّهُ عَامٌّ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ الْخَاصَّ الَّذِي هُوَ لَحْمُ الْجَزُورِ، فَيَكُونُ مَنْ أَكَلَ لَحْمَ جَزُورٍ فَلْيَتَوَضَّأْ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ، وَرَدَّهُ سم بِأَنَّهُ لَيْسَ عَامًّا؛ لِأَنَّ إعْرَاضَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتْهُ النَّارُ لَا يُسَمَّى عَامًّا؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْأَلْفَاظِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ لَفْظٌ، وَإِنَّمَا حَصَلَ مِنْهُ إعْرَاضٌ. وَحَكَى ذَلِكَ جَابِرٌ عَنْهُ فَلَا عُمُومَ أَصْلًا، وَهَذَا كَلَامٌ وَجِيهٌ، وَإِنْ اعْتَرَضَهُ الَأُجْهُورِيُّ. اهـ. قَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ) أَيْ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَالسَّنَامِ. قَالَ م ر: وَرَدُّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمَا لَا يُسَمَّيَانِ لَحْمًا كَمَا فِي الْأَيْمَانِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِ النَّصِّ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ عَمَّمَ عَدَمَ النَّقْضِ بِالشَّحْمِ مَعَ شُمُولِهِ لِشَحْمِ الظَّهْرِ، وَالْجَنْبُ الَّذِي حَكَمَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَيْمَانِ بِشُمُولِ اللَّحْمِ لَهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ) خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَعِبَارَةُ الْكَنْزِ: وَيُبْطِلُهُ قَهْقَهَةُ مُصَلٍّ بَالِغٍ صَلَاةً كَامِلَةً حَتَّى لَا تَكُونَ نَقْضًا فِي الْجِنَازَةِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الْمُصَلِّي، وَبِقَوْلِهِ بَالِغٌ عَنْ غَيْرِ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِجِنَايَةٍ فِي حَقِّهِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَمْدُ وَالنِّسْيَانُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ مُطْلَقًا. اهـ.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا لَمَا اخْتَصَّ النَّقْضُ بِهَا) أَيْ بِالصَّلَاةِ أَيْ إنْ قُلْنَا إنَّ الْقَهْقَهَةَ نَاقِضَةٌ سَاوَتْ النَّوَاقِضَ، وَالنَّاقِضُ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ ق ل: لَا مَحَلَّ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لِلْمُنَافَاةِ اج. وَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ اللَّامِ مِنْ لَمَا؛ لِأَنَّ إنْ الشَّرْطِيَّةَ لَا يَقْتَرِنُ جَوَابُهَا بِاللَّامِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي " لَوْ " فَهُوَ خَطَأٌ حَصَلَ لِلْمُؤَلِّفِينَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، أَوْ أَنَّهُمْ حَمَلُوا إنْ الشَّرْطِيَّةَ عَلَى " لَوْ "، وَإِنْ الشَّرْطِيَّةُ هُنَا مُدْغَمَةٌ فِي " لَا " وَأَصْلُهَا: وَإِنْ لَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا بِالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجِ) خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَعِبَارَةُ الْكَنْزِ وَشَرْحِهِ: وَيَنْقُضُهُ كُلُّ خَارِجٍ نَجِسٍ مِنْهُ أَيْ الْمُتَوَضِّئِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِيَادِ أَوْ لَمْ يَكُنْ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي غَيْرِ الْمُعْتَادِ. وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُنْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ.

قَوْلُهُ: (فَنَزَعَهُ) أَسْقَطَ كَلِمَةً مِنْ الْحَدِيثِ هُنَا وَجُمَلًا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ: «فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ، ثُمَّ رَمَاهُ بِآخَرَ ثُمَّ بِثَالِثٍ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَدِمَاؤُهُ تَجْرِي، وَعَلِمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . الْحَدِيثَ. وَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّ فِيهِ أَفْعَالًا كَثِيرَةً لِاحْتِمَالِ عَدَمِ تَوَالِيهَا، فَفِي الْحَدِيثِ إشْكَالَانِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَصَلَّى) أَيْ اسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ.

قَوْلُهُ: (فَلِقِلَّةِ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ) أَيْ أَوْ أَنَّ دَمَ الشَّخْصِ نَفْسِهِ يُعْفَى عَنْهُ، وَإِنْ كَثُرَ إنْ كَانَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ ع ش. قَالَ ق ل: وَفِي حَمْلِ الدَّمِ عَلَى الْقَلِيلِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ يَجْرِي بُعْدٌ كَبِيرٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَا بِشِفَاءِ دَائِمِ الْحَدَثِ) فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَوْ مَعَهُ بَطَلَ الْوُضُوءُ بِشِفَائِهِ، وَحِينَئِذٍ فَبُطْلَانُهُ بَعْدَ خُرُوجِ ذَلِكَ بِشِفَائِهِ مَنْسُوبٌ إلَى ذَلِكَ الْخَارِجِ الَّذِي كَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَقَدْ زَالَتْ، فَهُوَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ النَّوَاقِضِ الْمَذْكُورَةِ ق ل.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ حَدَثَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ) أَيْ رَفْعًا عَامًّا، وَإِلَّا فَيَرْتَفِعُ رَفْعًا مُقَيَّدًا. قَوْلُهُ: (فَكَيْفَ يَصِحُّ عَدُّ الشِّفَاءِ) أَيْ فَنِسْبَةُ الْحَدَثِ لِلْخَارِجِ لَا لِلشِّفَاءِ اج.

قَوْلُهُ: (سَبَبًا لَهُ) أَيْ إنْ أُرِيدَ بِالْحَدَثِ السَّبَبُ، وَأَمَّا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْأَسْبَابِ. فَلَا شَكَّ أَنَّ شِفَاءَ الْحَدَثِ سَبَبٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالشِّفَاءِ مُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا فَتَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>