للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: " أُمُّ الْوَلَدِ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا " أَيْ أَثْبَتَ لَهَا حَقَّ الْحُرِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَ سِقْطًا وَهَذَا أَحَدُ الصُّوَرِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَهِيَ: مَنْ اسْتَعْجَلَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ وَعِتْقِهَا. (مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَسَوَاءٌ أَحْبَلَهَا أَمْ أَعْتَقَهَا فِي الْمَرَضِ أَمْ لَا أَوْ أَوْصَى بِهَا مِنْ الثُّلُثِ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِهَا تُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ هَذَا إتْلَافٌ حَصَلَ بِالِاسْتِمْتَاعِ فَأَشْبَهَ إنْفَاقَ الْمَالِ فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَيَبْدَأُ بِعِتْقِهَا (قَبْلَ) قَضَاءِ (الدُّيُونِ) وَلَوْ لِلَّهِ تَعَالَى كَالْكَفَّارَةِ (وَالْوَصَايَا) وَلَوْ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ (وَوَلَدُهَا) الْحَاصِلُ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ مِنْ زِنًا أَوْ مِنْ زَوْجٍ لَا يُعْتَقُونَ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَلَهُ بَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ لِحُدُوثِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ لِلْأُمِّ بِخِلَافِ الْوَلَدِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الطَّبَلَاوِيُّ مَا قَالَهُ هُوَ الْأَنْسَبُ لِأَنَّهُ أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ مُطْلَقُ دَلَالَةِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ حَيْثُ أُطْلِقَ. وَلِأَنَّ الَّذِي عَقَدَ لَهُ الْفَصْلَ إنَّمَا هُوَ أَحْكَامُهَا لَا وَصْفُهَا بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ. وَإِنَّمَا خُصَّ الْجَوَابُ بِهَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ أَصْلُ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَأَيْضًا تُسَمَّى مُسْتَوْلَدَةً قَبْلَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: (عَتَقَتْ) أَيْ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْوَضْعُ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ. أَيْ يَتَبَيَّنُ بِالْوَضْعِ عِتْقُهَا مِنْ حِينِ الْمَوْتِ فَيَكُونُ كَسْبُهَا مِنْ حِينِ الْمَوْتِ لَهَا وَمِثْلُ الْمَوْتِ مَسْخُهُ أَيْ السَّيِّدِ حَجَرًا أَوْ نِصْفَهُ الْأَعْلَى وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا إذَا صَارَ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ نُطْقٌ وَلَا إبْصَارٌ وَلَا حَرَكَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (أُمُّ الْوَلَدِ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَسَبَبُ عِتْقِهَا بِمَوْتِهِ انْعِقَادُ الْوَلَدِ حُرًّا. اهـ أَيْ وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْهَا فَسَرَى الْعِتْقُ مِنْهُ إلَيْهَا اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ سِقْطًا) مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ الْحُكْمُ بِعِتْقِهَا مَعَ قَتْلِهَا السَّيِّدَ.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ أَوَانِهِ) أَيْ ظَاهِرًا فَلَا يُنَافِي قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ إنَّ الْقَتِيلَ مَاتَ عِنْدَ انْتِهَاءِ أَجَلِهِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ:

وَمَيِّتٌ بِعُمْرِهِ مَنْ يُقْتَلُ ... وَغَيْرُ هَذَا بَاطِلٌ لَا يُقْبَلُ

وَقِيلَ: إنَّ الْعَجَلَةَ مِنْ الشَّيْطَانِ إلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ فَإِنَّهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ إطْعَامُ الضَّيْفِ، وَتَجْهِيزُ الْمَيِّتِ، وَتَزْوِيجُ الْبِكْرِ، وَقَضَاءُ الدُّيُونِ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ الذَّنْبِ، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ.

لَقَدْ طُلِبَ التَّعَجُّلُ فِي أُمُورٍ ... قَضَاءِ الدَّيْنِ مَعَ تَزْوِيجِ بِكْرٍ

وَتَجْهِيزٍ لِمَيْتٍ ثُمَّ طُعْمٍ ... لِضَيْفٍ تَوْبَةٍ مِنْ فِعْلِ نُكْرٍ

وَالطُّعْمُ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الطَّعَامُ وَالنُّكْرُ بِضَمِّ النُّونِ قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف: ٧٤] . قَوْلُهُ (وَعِتْقُهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) الْمُرَادُ أَنَّ عِتْقَهَا مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا لِظَاهِرِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ سَوَاءٌ اسْتَوْلَدَهَا فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ أَوْ نَجَّزَ عِتْقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا فَوَّتَهُ مِنْ مَنَافِعِهَا الَّتِي كَانَ يَسْتَحِقُّهَا إلَى مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ كَالْإِتْلَافِ بِالْأَكْلِ وَاللُّبْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّذَّاتِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ أَرْمَلَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي نُسْخَةٍ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ إلَخْ. وَهِيَ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعَى وَهُوَ عِتْقُهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.

قَوْلُهُ: (فِي الْمَرَضِ) رَاجِعٌ لِلِاثْنَيْنِ أَيْ سَوَاءٌ أَحْبَلَهَا فِي الْمَرَضِ أَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ إحْبَالِهَا فِي الْمَرَضِ أج.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ) أَيْ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ.

قَوْلُهُ: (تُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ) فَإِنْ لَمْ يُوَفِّ بِهَا الثُّلُثُ كُمِّلَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفَائِدَةُ الْوَصِيَّةِ أَنَّ أُجْرَةَ الْحَجَّةِ تُزَاحِمُ الْوَصَايَا إنْ كَانَ أَوْصَى فَيَكُونُ فِيهِ رِفْقٌ بِالْوَرَثَةِ.

قَوْلُهُ: (وَيُبْدَأُ بِعِتْقِهَا قَبْلَ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعْتَاقِ الْوَارِثِ لَهَا وَلَيْسَ مُرَادًا وَيُوهِمُ أَيْضًا أَنَّهَا مِنْ التَّرِكَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَعْتِقُ إنْ لَمْ تَكُنْ تَرِكَةٌ أَصْلًا. وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا كُلِّهِ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا تُحْسَبَ قِيَمُهَا مِنْ التَّرِكَةِ.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا) هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا تُحْسَبُ قِيمَتُهَا مِنْ التَّرِكَةِ وَلِذَا قَالَ ق ل. إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (لَا يَعْتِقُونَ) صَوَابُهُ لَا يَعْتِقُ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>