للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَ) الرَّابِعُ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (لَمْسُ الرَّجُلِ) بِبَشَرَتِهِ (الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ) أَيْ بَشَرَتَهَا. (مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: ٦] أَيْ لَمَسْتُمْ كَمَا قُرِئَ بِهِ فَعَطَفَ اللَّمْسَ عَلَى الْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا الْأَمْرَ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَدَثٌ لَا جَامَعْتُمْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ إذْ اللَّمْسُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ. قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: ٧] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَلَّك لَمَسْت» وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ وَإِكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ، أَوْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَمْسُوحًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا، أَوْ الْمَرْأَةُ عَجُوزًا شَوْهَاءَ، أَوْ كَافِرَةً بِتَمَجُّسٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ حُرَّةً أَوْ رَقِيقَةً أَوْ أَحَدُهُمَا مَيِّتًا، لَكِنْ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَيِّتِ، وَاللَّمْسُ الْجَسُّ بِالْيَدِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مَظِنَّةُ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ بَاقِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَحُشَتْ بِأَنْ يَتَجَرَّدَا مُتَعَانِقِينَ مُتَمَاسَّيْ الْفَرْجِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَمَسَ غَيْرِ الْمَحَارِمِ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا. وَأُجِيبَ عَنْ الْحَدِيثِ: بِأَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ أَوْ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ: نُزُولِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: ٦] وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَقُولَ الْأَصْلُ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ وَعَدَمُ النَّسْخِ حَتَّى يَثْبُتَ، وَالْحَدِيثُ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ: لَا أَعْلَمُ لِلْحَدِيثِ عِلَّةً تُوجِبُ تَرْكَهُ. اهـ.

فَرْعٌ: لَوْ تَوَلَّدَ شَخْصٌ بَيْنَ آدَمِيٍّ وَبَهِيمَةٍ لَمْ يَنْقُضْ مَسُّهُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ. فَرْعٌ: جِلْدُ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ إذَا سُلِخَ وَحُشِيَ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَوِّ لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى آدَمِيًّا، وَلَوْ سُلِخَ الذَّكَرُ وَحُشِيَ فَلَا نَقْضَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ذَكَرًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ الَأُجْهُورِيُّ، وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ تَصَوَّرَ وَلِيٌّ بِصُورَةِ امْرَأَةٍ أَوْ مُسِخَ رَجُلٌ امْرَأَةً هَلْ يَنْقُضُ أَوْ لَا؟

فَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْأَوَّلِ عَدَمُ النَّقْضِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ عَيْنَهُ لَمْ تَنْقَلِبْ، وَإِنَّمَا انْخَلَعَ مِنْ صُورَةٍ إلَى صُورَةٍ مَعَ بَقَاءِ صِفَةِ الذُّكُورَةِ، وَأَمَّا الْمَسْخُ فَالنَّقْضُ بِهِ مُحْتَمَلٌ لِقُرْبِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ فِيهِ بِعَدَمِ النَّقْضِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ تَبَدُّلِ الصِّفَةِ دُونَ الْعَيْنِ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (كَمَا قُرِئَ بِهِ) قِرَاءَةٌ سَبُعِيَّةٌ لِحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ فِي النِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ.

قَوْلُهُ: (فَعَطَفَ) الْفَاءَ لِلتَّعْلِيلِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ.

قَوْلُهُ: (فَدَلَّ) هُوَ النَّتِيجَةُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوَافُقُ الْقِرَاءَتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (إذْ اللَّمْسُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ) أَيْ: بَلْ هُوَ شَامِلٌ لِلْجِمَاعِ وَلِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّمْسُ هُوَ الْجَسُّ بِالْيَدِ وَبِغَيْرِهَا، وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَعَمِّ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى خُصُوصِ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَمْلِ، بِخِلَافِ حَمْلِهِ عَلَى الْأَخَصِّ لَيْسَ لَهُ قِرَاءَةٌ أُخْرَى تُؤَيِّدُهُ، فَقَوْلُهُ إذْ اللَّمْسُ أَيْ الَّذِي قُرِئَ بِهِ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ أَيْ فَتَكُونُ الْمُلَامَسَةُ غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ بِالْجِمَاعِ لِأَجْلِ تَوَافُقِ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى فَتَأَمَّلْ. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إذْ الْمُلَامَسَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الرَّدُّ عَلَى الْخَصْمِ الَّذِي هُوَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ كَوْنَ اللَّمْسِ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ.

قَوْلُهُ: (لَمَسْت) لَمَسَ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَضَرَبَ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ إلَخْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ بَيْنَ لَا تُضَافُ إلَّا لِمُتَعَدِّدٍ وَالْعَطْفُ بِأَوْ لَا يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ فِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءً، فَقَوْلُهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ أَيْ وَبِغَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ: أَوْ إكْرَاهٌ أَيْ وَبِغَيْرِهِ وَهَكَذَا.

قَوْلُهُ: (أَوْ خَصِيًّا) ضَبْطُهُ ابْنُ شَرَفٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ. قَوْلُهُ: (شَوْهَاءَ) أَيْ قَبِيحَةً.

قَوْلُهُ: (أَوْ كَافِرَةً بِتَمَجُّسٍ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِعَارِضٍ يَزُولُ بِالْإِسْلَامِ، وَيُحْتَرَزُ بِذَلِكَ عَنْ الْمَحْرَمِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ فِي وَقْتٍ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (وَاللَّمْسُ الْجَسُّ بِالْيَدِ) أَيْ وَأُلْحِقَ بِهَا غَيْرُهَا، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْجَمِيعِ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِيهِ) أَيْ فِي النَّقْضِ بِهِ.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ مَظِنَّةُ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ) أَيْ بِحَسَبِ أَصْلِهِ، وَإِنْ انْتَفَتْ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ إلَخْ) هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِاللَّمْسِ الْجَسَّ بِالْيَدِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِعِ، لَكِنْ يُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: لَمَسَ الرَّجُلُ بِبَشَرَتِهِ إلَخْ. فَبَيْنَ كَلَامَيْهِ مُضَارَبَةٌ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ اللَّمْسَ الْجَسُّ بِالْيَدِ وَبِغَيْرِهَا، وَقِيلَ الْجَسُّ بِالْيَدِ وَأُلْحِقَ غَيْرُهَا بِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَقَدْ جَرَى فِي الْمَتْنِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَجَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>