الْفُقَهَاءَ أَوْ أَكْثَرَهُمْ إنَّمَا تَسْتَعْمِلُهُ بِالضَّمِّ وَشَرْعًا سَيَلَانُهُ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ مَعَ النِّيَّةِ وَالْغِسْلُ بِالْكَسْرِ مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ نَحْوِ سِدْرٍ وَخِطْمِيٍّ. (وَاَلَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ سِتَّةُ أَشْيَاءَ) مِنْهَا (ثَلَاثَةٌ تَشْتَرِكُ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ) مَعًا (وَهِيَ) أَيْ الْأُولَى (الْتِقَاءُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْإِسَالَةِ أَوْ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْفِعْلُ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الشَّيْءِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَدَنًا أَوْ غَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِنِيَّةٍ أَمْ لَا.
قَوْلُهُ: (وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ) أَيْ وَأَفْصَحُ أَيْ لُغَةً، وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَالضَّمُّ أَشْهَرُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَلَكِنْ إلَخْ. وَإِنْكَارُ الضَّمِّ غَلَطٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ غُسْلِ الثَّوْبِ أَمَّا فِيهِ فَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِالْفَتْحِ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ أَشْهَرُ أَيْ وَأَفْصَحُ؛ لِأَنَّ الْفَتْحَ هُوَ الْمَصْدَرُ الْقِيَاسِيُّ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:
فَعْلُ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى ... مِنْ ذِي ثَلَاثَةٍ كَرَدَّ رَدَّا
وَأَمَّا الْأَشْهَرُ شَرْعًا فَهُوَ الضَّمُّ إذَا أُرِيدَ بِهِ السَّيَلَانُ عَلَى الْبَدَنِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ غُسْلِ نَحْوِ النَّجَاسَةِ.
قَوْلُهُ: (مَعَ النِّيَّةِ) وَلَوْ مَنْدُوبَةٌ فَيَشْمَلُ غُسْلَ الْمَيِّتِ.
قَوْلُهُ: (مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ) أَيْ مَا هُيِّئَ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى بِالْغُسْلِ دَائِمًا، وَالرَّأْسُ لَيْسَ قَيْدًا، وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ لَوْ قَالَ مَا يُضَافُ إلَى مَاءِ الْغُسْلِ لَكَانَ صَوَابًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَخِطْمِيٍّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ. اهـ. مُخْتَارٌ.
وَنُقِلَ عَنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْخِطْمِيَّ هُوَ بِزْرُ الْخَبِيزَةِ وَقِيلَ هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ اهـ. ح ف. قَوْلُهُ: (سِتَّةُ أَشْيَاءَ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَعَدَّهَا فِي الْمَنْهَجِ وَأَصْلِهِ خَمْسَةً بِجَعْلِ الْجَنَابَةِ بِصُورَتَيْهَا شَيْئًا وَاحِدًا، وَعَدَّهَا فِي الرَّوْضَةِ أَرْبَعَةً بِجَعْلِهِ النِّفَاسَ دَمَ حَيْضٍ مُجْتَمَعٍ. وَاعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ الْحَصْرَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ بِتَنَجُّسِ جَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ بَعْضِهِ مَعَ الِاشْتِبَاهِ. وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِمَنْعِ أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ بَلْ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ فَرَضَ كَشْطَ جِلْدِهِ حَصَلَ الْغَرَضُ. قَالَ: وَبِهِ وَيَتَبَيَّنُ أَنْ لَا تَعَبُّدَ عَلَى الْبَدَنِ فِي غُسْلِ النَّجَاسَةِ أَصْلًا اهـ. سم. قَالَ الْإِطْفِيحِيُّ: أَقُولُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَجْهُ عَدَمِ وُرُودِهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْغُسْلِ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي الْبَدَنِ بِنِيَّةٍ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ، وَكَانَ الْغُسْلُ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَغْتَسِلُونَ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَمِنْ ثَمَّ ذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي عَدَمِ بَيَانِ الْغُسْلِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ كَوْنُ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ كَانَ مَعْلُومًا قَبْلَ الْإِسْلَامِ بَقِيَّةً مِنْ دَيْنِ إبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] فَلَمْ يَحْتَاجُوا إلَى تَفْسِيرِهِ، وَأَمَّا رَفْعُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ، فَلَمْ يَقُلْ، وَإِنْ كُنْتُمْ مُحْدِثِينَ فَتَوَضَّئُوا بَلْ قَالَ فَاغْسِلُوا الْآيَةَ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَمَا قِيلَ إنَّهُ كَانَ يَجِبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نُسِخَ لَمْ يَثْبُتْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ أَوْ أَثَرٍ أَوْ نَقْلٍ مُعْتَبَرٍ. اهـ.
وَأَقُولُ: يُخَالِفُ ذَلِكَ مَا فِي النُّورِ الْوَهَّاجِ فِي الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ لِلْعَلَّامَةِ سَيِّدِي عَلِيٍّ الَأُجْهُورِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ التَّخْفِيفُ فِي كُلٍّ مِنْ الْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ وَغُسْلِ الثَّوْبِ، فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَتْ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ، وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَغُسْلُ الثَّوْبِ مِنْ الْبَوْلِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُ حَتَّى جَعَلَ الصَّلَاةَ خَمْسًا، وَغُسْلَ الْجَنَابَةِ مَرَّةً، وَغُسْلَ الثَّوْبِ مَرَّةً» ، وَهَلْ غُسْلُ غَيْرِ الْجَنَابَةِ مِنْ الْحَيْضِ وَنَحْوِهِ كَذَلِكَ، وَكَذَا الْغُسْلُ مِنْ غَيْرِ الْبَوْلِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ أَمْ لَا؟ . هُوَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ السُّؤَالَ فِي تَخْفِيفِ الْغُسْلِ لَمْ يَكُنْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (تَشْتَرِكُ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مُطْلَقُ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَلَوْ مِنْ الْجِنِّ اهـ. ق ل. وَقَالَ ع ش قَوْلُهُ: تَشْتَرِكُ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ أَيْ يَكُونَانِ مَحَلًّا لَهَا، وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ تَشْتَرِكُ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ النِّسْبَةُ لِلْعَارِضِ لَا الْمَعْرُوضِ، وَالْعَارِضُ