وَأَجَابَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالِاحْتِلَامِ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ، وَذِكْرُ الْخِتَانِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، فَلَوْ أَدْخَلَ حَشَفَتَهُ أَوْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي فَرْجِ بَهِيمَةٍ أَوْ فِي دُبُرٍ، كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جِمَاعٌ فِي فَرْجٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ انْضِمَامَهُمَا لِعَدَمِ إيجَابِهِ الْغُسْلَ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ تَحَاذِيهِمَا يُقَالُ: الْتَقَى الْفَارِسَانِ إذَا تَحَاذَيَا، وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّا، وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِدْخَالِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، إذْ الْخِتَانُ مَحَلُّ الْقَطْعِ فِي الْخِتَانِ، وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ فَوْقَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ، وَمَخْرَجُ الْبَوْلِ فَوْقَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ، وَلَوْ أَوْلَجَ حَيَوَانٌ قِرْدًا أَوْ غَيْرَهُ فِي آدَمِيٍّ وَلَا حَشَفَةَ لَهُ فَهَلْ يُعْتَبَرُ إيلَاجُ كُلِّ ذَكَرِهِ أَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
حَيْثُ أَحَدُ شِقَّيْ الْحَصْرِ الَّذِي هُوَ النَّفْيُ وَهُوَ قَوْلُنَا: وَلَا يَجِبُ بِغَيْرِ الْمَاءِ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِشِقِّ الْإِثْبَاتِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْغُسْلِ مِنْ خُرُوجِ الْمَاءِ فَلَيْسَ بِمَنْسُوخٍ، فَقَدْ أَقَامَهُ دَلِيلًا عَلَى إنْزَالِ الْمَنِيِّ فِيمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَجَعَلَ الْحَصْرَ إضَافِيًّا أَيْ نِسْبِيًّا أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلِاحْتِلَامِ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّسْخِ يَصِحُّ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِنْزَالِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالِاحْتِلَامِ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (وَأَجَابَ ابْنُ عَبَّاسٍ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّسْخِ. وَحَاصِلُ جَوَابِهِ أَنَّ الْحَصْرَ إضَافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلِاحْتِلَامِ.
قَوْلُهُ: (جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ) وَيَرْتَكِبُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِثْلَ هَذَا تَبَرُّكًا بِالْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (بَهِيمَةٍ) وَلَوْ سَمَكَةً وَلَوْ مَيِّتَةً كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ق ل.
قَوْلُهُ: (أَوْ فِي دُبُرٍ) أَيْ دُبُرِ رَجُلٍ مَثَلًا وَلَوْ فِي دُبُرِ نَفْسِهِ وَتَجْرِي عَلَيْهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْجِمَاعِ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ امْرَأَةٍ لَيْسَ قَيْدًا، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ وَشَمِلَ إدْخَالَهُ فِي دُبُرِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَهِي دُبُرَ نَفْسِهِ، بَلْ هَذَا الْمَحَلُّ لَا يُشْتَهَى طَبْعًا، وَأَمَّا اللُّوطِيَّةُ فَقَدْ انْحَرَفَتْ طِبَاعُهُمْ عَنْ حَيِّزِ الِاعْتِدَالِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْحَدِّ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ حَدَّانِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فَاعِلًا وَمَفْعُولًا أَوْ لَا. قِيَاسًا عَلَى تَدَاخُلِ الْحُدُودِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؟ . الْأَقْرَبُ الثَّانِي، بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَلْ تَحَاذِيهِمَا) وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ لَازِمِ التَّحَاذِي مِنْ دُخُولِ الْحَشَفَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ سم. قَوْلُهُ: (فِي الْخِتَانِ) صَوَابُهُ فِي الْخَتْنِ أَيْ الْقَطْعِ ق ل. أَيْ: وَتَكُونُ فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ بِالْخَتْنِ أَيْ الْقَطْعِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَوْلَجَ إلَخْ) وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الذَّكَرُ مُبَانًا، فَقِيلَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُولِجَهُ مِنْ جِهَةِ الْحَشَفَةِ أَوْ مِنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ الْحَشَفَةَ مَتَى وُجِدَتْ فَالْعِبْرَةُ بِهَا وَلَوْ مِنْ الذَّكَرِ الْمُبَانِ، وَاعْتَمَدَهُ م ر آخِرًا، وَأَمَّا لَوْ قُطِعَ الْفَرْجُ وَبَقِيَ اسْمُهُ وَأُولِجَ فِيهِ، هَلْ يَجِبُ الْغُسْلُ قِيَاسًا عَلَى نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهِ أَوْ يُفَرَّقُ؟ قَرَّرَ م ر الْفَرْقَ، إذْ لَا يُسَمَّى جِمَاعًا ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ الْغُسْلُ وَيُمْنَعُ تَوَقُّفُهُ عَلَى مَا يُسَمَّى جِمَاعًا، بَلْ يَكْفِي فِيهِ مُسَمَّى الْإِيلَاجِ فِي فَرْجٍ وَقَدْ وُجِدَ، وَبِهِ جَزَمَ ق ل فَقَالَ قَوْلُهُ فَرْجًا وَلَوْ مُبَانًا حَيْثُ بَقِيَ اسْمُهُ. اهـ.
وَلَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الْفَرْجِ الْمُبَانِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ الضَّعِيفِ الْفَهْمِ السَّقِيمِ الْإِدْرَاكِ، وَقَدْ أَحْوَجَ الدَّهْرُ إلَى ذِكْرِ هَذَا. اهـ. وَأَمَّا لَوْ شُقَّ الذَّكَرُ نِصْفَيْنِ فَلَا تَحْصُلُ الْجَنَابَةُ بِإِدْخَالِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ مَعَ أَكْثَرِ الذِّكْرِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَالَ سم: فَلَوْ أَدْخَلَ مَجْمُوعَ شِقَّيْ الْحَشَفَةِ مِنْ الذَّكَرِ الْمَشْقُوقِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُؤَثِّرَ كَإِدْخَالِهَا مِنْ الذَّكَرِ الْأَشَلِّ، وَهَلْ يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ أَوْ يَشْمَلُ مَا لَوْ أَدْخَلَ شِقًّا فِي الْقُبُلِ وَشِقًّا فِي الدُّبُرِ؟ يَنْبَغِي أَنَّهُ كَذَلِكَ لَكِنْ لَوْ أَدْخَلَ الشِّقَّيْنِ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا غُسْلَ؛ لِأَنَّ كُلَّ شِقٍّ مِنْهُمَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ إدْخَالُ حَشَفَةٍ. وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَأُجْهُورِيُّ: وَبَقِيَ مَا لَوْ شُقَّ وَأَدْخَلَ أَحَدَ شِقَّيْهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَأَدْخَلَ الشِّقَّ الْآخَرَ عَلَى التَّعَاقُبِ. قَالَ الشَّيْخُ حَمْدَانَ: أَمَّا الْفَاعِلُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ جَزْمًا، وَأَمَّا الْمَفْعُولُ فَإِنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ فَالْغُسْلُ، وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْ الِاتِّحَادِ مَا لَوْ أَدْخَلَ أَحَدَهُمَا فِي الْقُبُلِ وَالْآخَرَ فِي الدُّبُرِ.
فَرْعٌ: لَوْ كَانَ الذَّكَرُ كُلُّهُ بِصُورَةِ الْحَشَفَةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَى إدْخَالِ جَمِيعِهِ، بَلْ تُقَدَّرُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، نَعَمْ إنْ تَحَزَّزَ مِنْ أَسْفَلِهِ بِصُورَةِ تَحْزِيزِ الْحَشَفَةِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ الْجَمِيعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ فِي ذَكَرِ آخَرَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ أَمْ لَا؟ أَفْتَى م ر أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute