للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَ) الثَّانِيَةُ (إنْزَالُ) أَيْ خُرُوجُ (الْمَنِيِّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَسُمِعَ تَخْفِيفُهَا أَيْ مَنِيُّ الشَّخْصِ نَفْسِهِ الْخَارِجُ مِنْهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ فَرْجَ الثَّيِّبِ بَلْ وَصَلَ إلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، أَمَّا الْبِكْرُ فَلَا بُدَّ مِنْ بُرُوزِهِ إلَى الظَّاهِرِ كَمَا أَنَّهُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لَا بُدَّ مِنْ بُرُوزِهِ عَنْ الْحَشَفَةِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ: «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» . أَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

شَرْحِ الرَّوْضِ وَعَلَيْهَا، فَهُوَ قَيْدٌ فِي الْأَخِيرِ. .

قَوْلُهُ: (أَيْ خُرُوجُ الْمَنِيِّ) أَيْ وَلَوْ عَلَى صُورَةِ الدَّمِ لِكَثْرَةِ الْجِمَاعِ وَنَحْوِهِ، فَيَكُونُ طَاهِرًا مُوجِبًا لِلْغُسْلِ، فَقَبْلَ خُرُوجِهِ وَإِنْ مَنَعَهُ بِرَبْطِهِ مَثَلًا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ، بَلْ وَلَا يَصِحُّ فَلَوْ قُطِعَ الذَّكَرُ وَفِيهِ الْمَنِيُّ قَبْلَ بُرُوزِهِ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ إلَّا إنْ بَرَزَ مِنْ الْبَاقِي الْمُتَّصِلِ شَيْءٌ، وَفَارَقَ الْحُكْمُ بِالْبُلُوغِ لِوُجُودِ الْعِلْمِ قَالَهُ ق ل. وَفِي اج: فَلَوْ قُطِعَ الذَّكَرُ وَالْمَنِيُّ فِيهِ لَكِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمُنْفَصِلِ شَيْءٌ فَلَا غُسْلَ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ كَالْبَازِرِيِّ، وَتَابَعَهُمَا م ر فِي الْفَتَاوَى. قَالَ سم: وَفِيهِ نَظَرٌ لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْبَدَنِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا فِي الْجُزْءِ الْمُنْفَصِلِ فَلَا يُتَّجَهُ حِينَئِذٍ إلَّا وُجُوبُ الْغُسْلِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ انْفِصَالَهُ عَنْ الْبَدَنِ تَابِعٌ لِانْفِصَالِ الذَّكَرِ. اهـ. وَقَوْلُ الْمُحَشِّي: لَكِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمُنْفَصِلِ شَيْءٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُتَّصِلِ. وَهَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ الظَّاهِرَةُ، وَقَدْ نَقَلَ ع ش عَلَى م ر أَنَّ لِابْنِ سم عِبَارَتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ مَنِيِّ الشَّخْصِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ أَلْ فِي الْمَنِيِّ لِلْعَهْدِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْبِكْرُ إلَخْ) ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ إلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ أَوْ إلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ الثَّيِّبِ عِنْدَ جُلُوسِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا.

قَوْلُهُ: «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» هَذَا الْحَدِيثُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِنْزَالِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، لِمَا عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ مَنْسُوخٌ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ لَا بِاعْتِبَارِ مَنْطُوقِهِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى كَمَا لَا يَخْفَى.

قَوْلُهُ: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) وَاسْمُهَا هِنْدٌ وَهِيَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَوْلُهُ: (أُمُّ سُلَيْمٍ) بِنْتُ مِلْحَانَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالِدَةُ أَنَسٍ، وَاسْمُهَا سَهْلَةُ أَوْ رُمَيْلَةُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَيُقَالُ لَهَا الْغُمَيْصَاءُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، أَوْ الرُّمَيْصَاءُ اُشْتُهِرَتْ بِكُنْيَتِهَا.

قَوْلُهُ: (إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ) يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَأْمُرَ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْ الْحَقِّ أَوْ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذِكْرِهِ امْتِنَاعُ الْمُسْتَحْيِي، فَكَذَلِكَ أَنَا. وَإِنَّمَا قَدَّمَتْ ذَلِكَ عَلَى سُؤَالِهَا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ أَمْرٌ يُسْتَحْيَا مِنْهُ فَهُوَ نَوْعُ بَرَاعَةِ اسْتِهْلَالِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَدِيعِ شَوْبَرِيٌّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ هُنَا السُّؤَالُ عَنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَقَالَتْ لَهُ أَيْضًا: " هَلْ لِلْمَرْأَةِ مَاءٌ؟ . فَقَالَ لَهَا: تَرِبَتْ يَدَاك بِأَيِّ شَيْءٍ يُشْبِهُ الْوَلَدُ أُمَّهُ ". فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَلَدَ مُنْعَقِدٌ مِنْ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَمَنِيِّ الْمَرْأَةِ.

قَوْلُهُ: (هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ) بِضَمِّ الْغَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِفَتْحِهَا وَهُمَا مَصْدَرَانِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ بِالضَّمِّ الِاسْمُ وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَحَرْفُ الْجَرِّ زَائِدٌ كَمَا فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ.

قَوْلُهُ: (إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ) أَيْ رَأَتْ فِي مَنَامِهَا أَنَّهَا تُجَامَعُ.

قَوْلُهُ: (إذَا رَأَتْ) أَيْ حِينَ رَأَتْ الْمَاءَ أَيْ الْمَنِيَّ إذَا اسْتَيْقَظَتْ، فَإِذَا ظَرْفِيَّةٌ وَجَعْلُ رُؤْيَةِ الْمَنِيِّ شَرْطًا لِلْغُسْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إذَا لَمْ تَرَ الْمَاءَ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا. فَائِدَةٌ: قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٍ: الِاحْتِلَامُ بِصُورَةٍ مُحَرَّمَةٍ عُقُوبَةٌ مُعَجَّلَةٌ، وَبِغَيْرِ صُورَةٍ نِعْمَةٌ، وَبِصُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَرَامَةٌ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ فَقَالَ:

مَنْ يَحْتَلِمُ بِصُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ ... فَإِنَّهُ كَرَامَةٌ مَرْضِيَّةُ

وَإِنْ يَكُنْ بِصُورَةٍ قَدْ حُرِّمَتْ ... فَهُوَ إذًا عُقُوبَةٌ تَعَجَّلَتْ

أَوْ لَا بِصُورَةٍ فَذَاكَ نِعْمَةُ ... حَكَاهُ زَرُّوقٌ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ

وَذَكَرَ أَيْضًا: أَنَّهُ يُنْهَى عَنْ إتْيَانِ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْجُنُونَ فِي الْوَلَدِ.

قَوْلُهُ: (أَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ فِي حَرْفِ الْخَاءِ وَالنُّونِ خَنَثَ خُنَثًا فَهُوَ خَنِثٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا كَانَ فِيهِ لِينٌ وَتَكَسُّرٌ وَيَتَعَدَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>