وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَنُسِخَ الْوُجُوبُ وَبَقِيَ أَصْلُ الطَّلَبِ.
وَيُسَنُّ أَنْ تُتْبِعَ الْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُحْرِمَةِ وَالْمُحِدَّةِ لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَثَرِ الدَّمِ مِسْكًا فَتَجْعَلُهُ فِي قُطْنَةٍ وَتُدْخِلَهَا الْفَرْجَ بَعْدَ غُسْلِهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَثَرِ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ بِلَا عُذْرٍ كَمَا فِي التَّنْقِيحِ وَالْمِسْكُ فَارِسِيُّ مُعَرَّبٌ الطِّيبُ الْمَعْرُوفُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ الْمِسْكَ أَوْ لَمْ تَمْسَحْ بِهِ فَنَحْوَهُ مِمَّا فِيهِ حَرَارَةٌ كَالْقِسْطِ وَالْأَظْفَارِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ طِيبًا فَطِينًا فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ كَفَى الْمَاءُ أَمَّا الْمُحْرِمَةُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الطِّيبُ بِأَنْوَاعِهِ.
وَالْمُحِدَّةُ تَسْتَعْمِلُ قَلِيلَ قِسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ.
وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ مَاءُ الْوُضُوءِ فِي مُعْتَدِلِ الْجَسَدِ عَنْ مُدٍّ تَقْرِيبًا وَهُوَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَإِنْ قُلْت: قِيَاسُ قَوْلِهِمْ يَحْرُمُ التَّلَبُّسُ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ حُرْمَتُهُ وَحُرْمَةُ الرَّابِعَةِ. قُلْت: الْقَصْدُ مِنْ التَّجْدِيدِ، وَالرَّابِعَةُ مَزِيدُ النَّظَافَةِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَقْصُودَ الْوُضُوءِ فَكَانَ مُؤَكَّدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً أُخْرَى مُغَايِرَةً حَتَّى يَحْرُمَ التَّلَبُّسُ بِهَا عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ تَعَاطِي الْعِبَادَةِ الْفَاسِدَةِ فِي شَيْءٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الصَّلَاةَ بِالْأَوَّلِ شَرْطٌ لِنَدْبِ الثَّانِي لَا لِجَوَازِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ فَسُومِحَ فِيهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مَقْصُودَةٌ بِالذَّاتِ فَفِي تَكْرَارِهَا اخْتِرَاعُ عِبَادَةٍ لَمْ تَرِدْ شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ بِالْأَوَّلِ صَلَاةً كُرِهَ التَّجْدِيدُ، نَعَمْ إنْ عَارَضَهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ قُدِّمَتْ عَلَى التَّجْدِيدِ؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى مِنْهُ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ. قَالَ ع ش: وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الصَّلَاةُ الْكَامِلَةُ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا ثُمَّ فَسَدَتْ لَمْ يُسَنَّ لَهُ التَّجْدِيدُ اهـ. وَلَوْ تَوَضَّأَ الْجُنُبُ لِلْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ مَثَلًا، ثُمَّ أَرَادَ الْغُسْلَ فِي الْحَالِ، فَهَلْ يُسَنُّ الْوُضُوءُ لِلْغُسْلِ أَوْ لَا. اكْتِفَاءً بِوُضُوءِ نَحْوِ الْأَكْلِ، كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ لِلْإِحْرَامِ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ عَنْ غُسْلِ دُخُولِهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الثَّانِي أَعْنِي الِاكْتِفَاءَ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ كَانَ إلَخْ) لَوْ سَكَتَ عَنْ هَذِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ كَانَ كَذَلِكَ اهـ ق ل. لَكِنْ نُسِخَ مِنْ أَصْلِهِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَصْلٌ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّ الْمَنْسُوخَ وُجُوبُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَأَصْلُ الطَّلَبِ بَاقٍ.
قَوْلُهُ: (أَوْ نِفَاسٍ) لَا اسْتِحَاضَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ.
قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيّ الْمُسْتَحَاضَةَ أَيْضًا فَقَالَ: يَنْبَغِي لَهَا أَنْ لَا تَسْتَعْمِلَ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِخُرُوجِ الدَّمِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ فَلَا يَبْقَى لَهُ فَائِدَةٌ. قَوْلُهُ: (وَتُدْخِلُهَا الْفَرْجَ) أَيْ الْمَحَلَّ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ فَيُطْلَبُ لِلصَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفْطِرٍ ق ل. عَلَى الْمَحَلِّيّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ م ر. أَمَّا الصَّائِمَةُ فَلَا تَسْتَعْمِلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ غُسْلِهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْغُسْلُ قَوْلُهُ: (بِالْأَثَرِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: أَثَرِ الدَّمِ. قَوْلُهُ: (مُعَرَّبٌ) وَهُوَ لَفْظٌ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي مَعْنًى وُضِعَ لَهُ فِي غَيْرِ لُغَتِهِمْ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ كَمَا فِي مَتْنِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ. وَقِيلَ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِثْلُ قِسْطَاسٍ. وَأَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا تَوَافَقَتْ فِيهِ اللُّغَاتُ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (الطِّيبُ الْمَعْرُوفُ) وَهُوَ أَفْضَلُ الطِّيبِ وَأَحَبُّهُ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَوْلُهُ: (كَالْقِسْطِ وَالْأَظْفَارِ) نَوْعَانِ مِنْ الطِّيبِ، وَالْأَظْفَارُ شَيْءٌ مِنْ الطِّيبِ أَسْوَدُ عَلَى شَكْلِ ظُفُرِ الْإِنْسَانِ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ تَجِدْ طِيبًا) التَّرْتِيبُ لِكَمَالِ السُّنَّةِ لَا لِأَصْلِهَا شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (كَفَى الْمَاءُ) أَيْ مَاءُ الْغُسْلِ فِي دَفْعِ الرَّائِحَةِ لَا عَنْ السُّنَّةِ مَرْحُومِيٌّ. وَقِيلَ: مَاءٌ آخَرُ غَيْرُ مَاءِ الْغُسْلِ عِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. فَالْمَاءُ كَافٍ أَيْ مَاءُ الْغُسْلِ فِي دَفْعِ الْكَرَاهَةِ أَوْ مَاءٌ آخَرُ فِي حُصُولِ السُّنَّةِ، وَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَاءِ بَعْدَ الطِّينِ نَوَى الزَّبِيبِ ثُمَّ مُطْلَقُ النَّوَى. ثُمَّ مَا لَهُ رِيحٌ طَيِّبٌ، ثُمَّ الْمِلْحُ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُحِدَّةُ تَسْتَعْمِلُ) أَيْ يُسَنُّ لَهَا ذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ م ر خِلَافًا لِمَا فِي ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ، وَعِبَارَةُ م ر: وَتُتْبِعُ الْأُنْثَى غَيْرُ الْمُحْرِمَةِ وَالْمُحِدَّةِ لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ وَلَوْ خَلِيَّةً أَوْ بِكْرًا أَوْ عَجُوزًا أَوْ ثُقْبَةَ أُنْثَى انْسَدَّ فَرْجُهَا أَوْ خُنْثَى حُكِمَ بِأُنُوثَتِهِ إثْرَهُ أَيْ الدَّمِ مِسْكًا تَطْيِيبًا لِلْمَحَلِّ لَا لِسُرْعَةِ الْعُلُوقِ، فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ أَمَّا الْمُحْرِمَةُ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ مُطْلَقًا، وَكَذَا الْمُحِدَّةُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا تَطْيِيبُ الْمَحَلِّ بِقَلِيلِ قِسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ، وَلَوْ لَمْ تَجِدْ سِوَى الْمَاءِ كَفَى فِي دَفْعِ الْكَرَاهَةِ لَا عَنْ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ تَطْيِيبُ مَا أَصَابَهُ دَمُ الْحَيْضِ مِنْ بَقِيَّةِ بَدَنِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ