للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الْمُؤَخَّرَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ مَرَّةً ثُمَّ ثَانِيَةً ثُمَّ ثَالِثَةً، كَذَلِكَ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ، فَإِنْ كَانَ جَارِيًا كَفَى فِي التَّثْلِيثِ أَنْ يُمِرَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَ جِرْيَاتٍ، لَكِنْ قَدْ يَفُوتُهُ الدَّلْكُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ غَالِبًا تَحْتَ الْمَاءِ؛ إذْ رُبَّمَا يَضِيقُ نَفَسُهُ، وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا انْغَمَسَ فِيهِ ثَلَاثًا بِأَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْهُ وَيَنْقُلَ قَدَمَيْهِ أَوْ يَنْتَقِلَ فِيهِ مِنْ مَقَامِهِ إلَى آخَرَ ثَلَاثًا، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى انْفِصَالِ جُمْلَتِهِ، وَلَا رَأْسِهِ كَمَا فِي التَّسْبِيعِ مِنْ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ، فَإِنَّ حَرَكَتَهُ تَحْتَ الْمَاءِ كَجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، فَيُسَنُّ تَجْدِيدُهُ إذَا صَلَّى بِالْأُولَى صَلَاةً كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي بَابِ النَّذْرِ مِنْ زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» .

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ هُوَ الْكَيْفِيَّةَ الْكَامِلَةَ بَلْ الْكَيْفِيَّةُ الْكَامِلَةُ مَا ذُكِرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الْمُحَشِّينَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ رَاجِعٌ لِلتَّثْلِيثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَوْهَمَهُ فِي ذَلِكَ عِبَارَةُ الشَّارِحِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُرْ السُّنَنَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَحْصُرَهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَمَا فَعَلَ م ر. وَغَيْرُهُ، هَذَا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ بَدَنِهِ مَرَّةً ثُمَّ ثَانِيَةً كَذَلِكَ ثُمَّ ثَالِثَةً بِذَلِكَ أَوْ دُونَهُ لَا تَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ التَّثْلِيثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَحْصُلُ بِخِلَافِ تَكْرِيرِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ بَدَنَ الْمُغْتَسِلِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ م د. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا تَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ التَّثْلِيثِ أَيْ الْأَكْمَلُ أَيْ لَا يَحْصُلُ بِهِ أَكْمَلُ فَضِيلَةِ التَّثْلِيثِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ أَصْلُ السُّنَّةِ.

قَوْلُهُ: (مَا ذُكِرَ) أَيْ الْمَعَاطِفُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ) أَيْ بِالصَّبِّ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَلَا يُطْلَبُ فِيهِ تَيَامُنٌ. نَعَمْ يُسَنُّ ذَلِكَ لِنَحْوِ أَقْطَعَ لَا يَتَأَتَّى لَهُ الْإِفَاضَةُ، وَفِي التَّخْلِيلِ فَيُخَلِّلُ شَعْرَ الْجَبْهَةِ الْيُمْنَى أَوَّلًا.

قَوْلُهُ: (وَيَدْلُكُ شِقَّهُ) بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ جَنْبَهُ، وَالشِّقُّ نِصْفُ الشَّيْءِ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الشَّمَائِلِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ) أَيْ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الْمُؤَخَّرَ، وَصَرِيحُ كَلَامِ التَّحْرِيرِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَغْسِلُ الرَّأْسَ ثَلَاثًا، ثُمَّ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِنْ مُقَدَّمِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مِنْ مُؤَخَّرِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ مُقَدَّمِهِ الْأَيْسَرِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مُؤَخَّرِهِ ثَلَاثًا، فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى شِقٍّ حَتَّى يُثَلِّثَ مَا قَبْلَهُ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَحَدُ كَيْفِيَّاتِهِ، وَإِلَّا فَلَوْ غَسَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مَرَّةً ثُمَّ أَعَادَ الْغُسْلَ ثَانِيَةً كَذَلِكَ ثُمَّ ثَالِثَةً، كَذَلِكَ حَصَلَ التَّثْلِيثُ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الِانْغِمَاسِ كَمَا مَرَّ، وَاسْتُفِيدَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ تَثْلِيثُ وَاحِدٍ أَيْ مِنْ الْمَغْسُولِ عَلَى تَثْلِيثِ مَا قَبْلَهُ، وَفَارَقَ الْوُضُوءَ بِعَدَمِ التَّرْتِيبِ أَيْ فِي الْغُسْلِ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا يُوَافِقُ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ هِيَ كَمَالُ السُّنَّةِ، وَأَمَّا الْكَيْفِيَّةُ الَّتِي تُحَصِّلُ أَصْلَ السُّنَّةِ فَهِيَ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثَلَاثًا ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَيَنْقُلُ قَدَمَيْهِ) أَيْ لِأَجْلِ تَثْلِيثِ بَاطِنِ قَدَمَيْهِ بِأَنْ يُفَرِّقَهُمَا بَعْدَ أَنْ كَانَا مُنْضَمَّيْنِ مَعَ بَقَائِهِ فِي مَكَانِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَنْتَقِلُ فِيهِ) أَيْ فِي حَالِ انْغِمَاسِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْتَاجُ إلَى انْفِصَالِ جُمْلَتِهِ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الرَّاكِدِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا رَأْسِهِ) أَيْ فِي الْأَخِيرَةِ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي التَّسْبِيعِ) أَيْ فِي الْكَيْفِيَّةِ الثَّانِيَةِ بَلْ يُسَبِّعُ تَحْتَ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ حَرَكَتَهُ) أَيْ الْمُنْتَقِلِ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلصُّورَةِ الثَّانِيَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُ الْغُسْلِ) بَلْ يُكْرَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ جَدَّدَ وُضُوءَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ صَلَاةً مَا بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا غَيْرُ مَشْرُوعٍ اهـ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوُضُوءِ) أَيْ لِأَنَّ مُوجِبَ الْوُضُوءِ أَغْلَبُ وُقُوعًا. وَاحْتِمَالُ عَدَمِ الشُّعُورِ بِهِ أَقْرَبُ فَيَكُونُ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ أَهَمَّ شَرْحُ الرَّوْضِ.

قَوْلُهُ: (إذَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً مَا) وَلَوْ رَكْعَةً أَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ لَا غَيْرُ ذَلِكَ كَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ لِعَدَمِ كَوْنِهِمَا صَلَاةً، وَكَذَا الطَّوَافُ وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِالصَّلَاةِ، وَكَذَا خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ فَلَوْ لَمْ يُصَلِّ بِهِ كَانَ مَكْرُوهًا، وَيَصِحُّ، وَقِيلَ حَرَامٌ. وَالْكَلَامُ فِي الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ أَوْ الْمُبَاحِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (صَلَاةً مَا) أَيْ وَلَوْ سُنَّةَ الْوُضُوءِ، وَفِي كَلَامِ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَكْرِيّ غَيْرُ سُنَّةِ الْوُضُوءِ فِيمَا يَظْهَرُ أَيْ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّسَلْسُلُ إلَّا إذَا قُلْنَا: لَا سُنَّةَ لِلْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ بِلَالٍ اهـ. وَقَوْلُهُ: لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّسَلْسُلُ: أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا مُفَوَّضٌ إلَيْهِ فَلَهُ قَطْعُهُ بِتَرْكِ سُنَّةِ الْوُضُوءِ. وَقَوْلُهُ: (كَانَ مَكْرُوهًا) أَيْ تَنْزِيهًا لَا تَحْرِيمًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَعَلَّلَ الْحُرْمَةَ بِأَنَّهُ تَعَاطِي عِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ، وَرَدَّهُ م ر بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ النَّظَافَةُ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ. قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَقَدْ يُقَالُ: قِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ حُرْمَةِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ لَا فِي جَمَاعَةِ الْحُرْمَةِ هُنَا، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ غَايَةَ تَجْدِيدِهِ أَنَّهُ كَالْغَسْلَةِ الرَّابِعَةِ، وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>