للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احْتِيَاطًا وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْآيَةَ وَالْأَحَادِيثَ لَيْسَ فِيهِمَا تَعَرُّضٌ لِوُجُوبِهِ.

وَيَتَعَهَّدُ مَعَاطِفَهُ كَأَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِكَفِّهِ فَيَجْعَلَهُ عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا انْعِطَافٌ وَالْتِوَاءٌ كَالْإِبْطِ وَالْأُذُنَيْنِ وَطَبَقَاتِ الْبَطْنِ وَدَاخِلِ السُّرَّةِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الثِّقَةِ بِوُصُولِ الْمَاءِ، وَيَتَأَكَّدُ فِي الْأُذُنِ فَيَأْخُذُ كَفًّا مِنْ مَاءٍ وَيَضَعُ الْأُذُنَ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَعَاطِفِهِ وَزَوَايَاهُ.

(وَ) الرَّابِعَةُ (الْمُوَالَاةُ) وَهِيَ غَسْلُ الْعُضْوِ قَبْلَ جَفَافِ مَا قَبْلَهُ كَمَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ.

(وَ) الْخَامِسَةُ (تَقْدِيمُ) غَسْلِ جِهَةِ (الْيُمْنَى) مِنْ جَسَدِهِ ظَهْرًا وَبَطْنًا (عَلَى) غَسْلِ جِهَةِ (الْيُسْرَى) بِأَنْ يَفِيضَ الْمَاءُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي طَهُورِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

وَقَدَّمْنَا أَنَّ سُنَنَ الْغُسْلِ كَثِيرَةٌ: فَمِنْهَا التَّثْلِيثُ تَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْوُضُوءِ.

وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَتَعَهَّدَ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ يَغْسِلَ رَأْسَهُ وَيَدْلُكَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ بَاقِيَ جَسَدِهِ كَذَلِكَ بِأَنْ يَغْسِلَ، وَيَدْلُكَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمُعْتَمَدَةُ عِنْدَهُمْ فَكَلَامُ الشَّارِحِ صَحِيحٌ، وَمَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ نَظَرَ لِلطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا خَلِيلٌ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَمَدَةٍ عِنْدَهُمْ.

قَوْلُهُ: (مِنْ بَدَنِهِ) . تَنْبِيهٌ: الْأَجْسَامُ وَالْأَجْسَادُ سَوَاءٌ وَالْجِسْمُ وَالْجَسَدُ جَمِيعُ الشَّخْصِ، وَالْأَجْسَامُ أَعَمُّ مِنْ الْأَبَدَانِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ مِنْ الْجَسَدِ مَا سِوَى الرَّأْسِ وَالْأَطْرَافِ، وَقِيلَ الْبَدَنُ أَعَالِي الْجَسَدِ دُونَ أَسَافِلِهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ) وَهُوَ الْإِمَامُ مَالِكٌ الْقَائِلُ بِوُجُوبِ إمْرَارِ الْيَدِ عَلَى الْبَدَنِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ. وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: إنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: الْمُبَالَغَةُ فِي إنْعَاشِ الْبَدَنِ مِنْ الضَّعْفِ الْحَاصِلِ لَهُ مِنْ سَرَيَانِ لَذَّةِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ وَالْجِمَاعِ. وَوَجْهُ الثَّانِي الِاكْتِفَاءُ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَى سَطْحِ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ يُحْيِي بِالطَّبْعِ كُلَّ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ الْبَدَنِ اهـ ذَكَرَهُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ.

قَوْلُهُ: (وَيَتَعَهَّدُ مَعَاطِفَهُ) هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ شَرْحِ الْمَتْنِ بَلْ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ ذَلِكَ، وَيَذْكُرُهُ فِي السُّنَنِ الَّتِي زَادَهَا.

قَوْلُهُ: (كَالْإِبْطِ) بِسُكُونِ الْبَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَطَبَقَاتِ الْبَطْنِ) بِسُكُونِ الطَّاءِ وَبِكَسْرِهَا أَيْ الْعَظِيمِ الْبَدَنِ شَرْحُ الْبَهْجَةِ وَهِيَ أَعَمُّ أَيْ بِكَسْرِ الطَّاءِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الطَّبَقَاتُ فِي الْبَطْنِ أَوْ فِي غَيْرِهَا، وَالطَّبَقَاتُ هِيَ الطَّيَّاتُ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَاءٍ وَيَضَعُ الْأُذُنَ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَيُمِيلُ رَأْسَهُ عِنْدَ غَسْلِ أُذُنَيْهِ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِيهَا الْمَاءُ فَيَضُرَّهُ أَوْ يُفْطِرَ بِهِ لَوْ كَانَ صَائِمًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَيَجُوزُ لَهُ الِانْغِمَاسُ وَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ. وَإِنْ أَمْكَنَ الْإِمَالَةَ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ إذَا وَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى الصِّمَاخَيْنِ بِسَبَبِ الِانْغِمَاسِ مَعَ إمْكَانِ الْإِمَالَةِ يَبْطُلُ صَوْمُهُ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُمْ: يَتَأَكَّدُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِ أَوَّلًا. لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْذُونٍ فِيهِ فِيهِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ الْفِطْرِ: لَوْ وَصَلَ مَاءُ الْمَضْمَضَةِ إذَا بَالَغَ الْفِطْرَ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَحَلَّ الْفِطْرِ إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ وُصُولُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ أُذُنَيْهِ لَوْ انْغَمَسَ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فَلَا يَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الطَّلَبِ بِخِلَافِ الْوُصُولِ مِنْ غُسْلِ تَبَرُّدٍ أَوْ تَنَظُّفٍ فَيَضُرُّ لِعَدَمِ تَوَلُّدِهِ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ. قَوْلُهُ: (إلَى مَعَاطِفِهِ) أَيْ الْأُذُنِ وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْعُضْوِ وَإِلَّا فَالْأُذُنُ مُؤَنَّثَةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إلَى مَعَاطِفِهِ أَيْ الرَّجُلِ، فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى فَاعِلِ يَتَعَهَّدُ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَزَوَايَاهُ) مُرَادِفٌ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ غَسْلُ الْعُضْوِ) وَالْمُرَادُ بِالْعُضْوِ هُنَا الْجُزْءُ مِنْ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ الْجُنُبَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ.

قَوْلُهُ: (ظَهْرًا وَبَطْنًا) أَيْ مُقَدَّمًا وَمُؤَخَّرًا فَيُقَدِّمُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مُقَدَّمَهُ ثُمَّ مُؤَخَّرَهُ ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ غُسْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ مُقَدَّمَهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ ثُمَّ الْمُؤَخَّرَ كَذَلِكَ لِمَشَقَّةِ تَحْرِيفِهِ، فَلَوْ فَعَلَ هُنَا مَا يَأْتِي كَانَ آتِيًا بِأَصْلِ السُّنَّةِ فِيمَا يَظْهَرُ بِالنَّظَرِ لِمُقَدَّمِ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ دُونَ مُؤَخَّرِهِ لِتَأَخُّرِهِ عَنْ مُقَدَّمِ الْأَيْسَرِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: «كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ» أَيْ يَخْتَارُ الْبَدْءَ بِالْأَيَامِنِ.

قَوْلُهُ: (وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ) أَيْ كَيْفِيَّةُ الْغُسْلِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى أَوَّلًا ثُمَّ يُزِيلَ مَا عَلَى جَسَدِهِ مِنْ قَذَرٍ كَمَنِيٍّ ثُمَّ يَتَعَهَّدَ مَعَاطِفَهُ ثُمَّ يَغْسِلَ رَأْسَهُ إلَخْ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>