وَإِنْ قُلْنَا يَنْدَرِجُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ فَإِنْ تَرَكَ الْوُضُوءَ أَوْ الْمَضْمَضَةَ أَوْ الِاسْتِنْشَاقَ كُرِهَ لَهُ، وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَتَدَارَكَ ذَلِكَ.
(وَ) الثَّالِثَةُ (إمْرَارُ الْيَدِ) فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الثَّلَاثِ (عَلَى) مَا أَمْكَنَهُ مِنْ (الْجَسَدِ) فَيَدْلُكُ مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ يَدُهُ مِنْ بَدَنِهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
خِلَافٍ ع ش.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ أَخَّرَ الْوُضُوءَ عَنْ الْغُسْلِ، وَهُوَ كَذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَهُوَ الْقَائِلُ بِعَدَمِ الِانْدِرَاجِ. قَالَ سم: وَلَا يَضُرُّ فِي صِحَّةِ وُضُوئِهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ اعْتِقَادُ زَوَالِهِ أَيْ زَوَالِ الْوُضُوءِ بِالْغُسْلِ نَظَرًا لِمُرَاعَاةِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ زَوَالِهِ، فَتَكُونُ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ مُجَوِّزَةً لِهَذِهِ النِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ الْمُخَالِفُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسَنُّ لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ التَّيَمُّمُ عَلَى نَحْوِ صَخْرَةٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ جَوَّزَهُ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ هَذَا عَلَى تَقْلِيدِ الْقَائِلِ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ تَقْلِيدِهِ لَا يَكُونُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِي شَيْءٍ بَلْ لَا يَصِحُّ الْقَوْلُ حِينَئِذٍ بِالسُّنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ مُقَلِّدًا لِذَلِكَ الْقَائِلِ يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ الْمَذْكُورُ.
قَوْلُهُ: (نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ) أَوْ غَيْرَهُ مِنْ نِيَّاتِ الْوُضُوءِ، وَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَقَبْلَ الْغُسْلِ لَا تُنْدَبُ لَهُ إعَادَتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ م ر. لِأَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ لَا يُبْطِلُهُ الْحَدَثُ، وَإِنَّمَا يُبْطِلُهُ الْجِمَاعُ. وَبِهِ يُلْغَزُ فَيُقَالُ: لَنَا وُضُوءٌ لَا يُبْطِلُهُ الْحَدَثُ، وَقَدْ نَظَمَ السُّيُوطِيّ ذَلِكَ فَقَالَ:
قُلْ لِلْفَقِيهِ وَلِلْمُفِيدْ ... وَلِكُلِّ ذِي بَاعٍ مَدِيدْ
مَا قُلْت فِي مُتَوَضِّئٍ ... قَدْ جَاءَ بِالْأَمْرِ السَّدِيدْ
لَا يَنْقُضُونَ وُضُوءَهُ ... مَهْمَا تَغَوَّطَ أَوْ يَزِيدْ
وَوُضُوءُهُ لَمْ يُنْتَقَضْ ... إلَّا بِإِيلَاجٍ جَدِيدْ
وَنَظَمَ الْجَوَابَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
يَا مُبْدِيَ اللُّغْزِ السَّدِيدْ ... يَا وَاحِدَ الْعَصْرِ الْفَرِيدْ
هَذَا الْوُضُوءُ هُوَ الَّذِي ... لِلْغُسْلِ سُنَّ كَمَا تُفِيدْ
وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُنْتَقَضْ ... إلَّا بِإِيلَاجٍ جَدِيدْ
وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَعْنِي الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قُلْنَا يَنْدَرِجُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَحْصُلُ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ إلَّا بِنِيَّتِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْغُسْلِ، وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ كَالصَّرِيحِ فِي هَذَا. اهـ. سم فِي شَرْحِ الْمَتْنِ.
قَوْلُهُ: (مَنْ أَوْجَبَهُ) أَيْ الْوُضُوءَ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْمَضْمَضَةَ أَوْ الِاسْتِنْشَاقَ) أَيْ اللَّتَانِ هُمَا سُنَّتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ لِلْغُسْلِ غَيْرُ اللَّتَيْنِ فِي الْوُضُوءِ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ لَهُ أَيْضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّتَانِ فِي الْغُسْلِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ كَذَلِكَ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَاجِبَانِ فِيهِمَا.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَرْضَانِ فِي الْغُسْلِ، سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَتَدَارَكَ ذَلِكَ) ظَاهِرُهُ: وَلَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْغُسْلِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا تَفُوتُ سُنَنُ الْغُسْلِ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ لِاعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ فِي أَفْعَالِ الْوُضُوءِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ.
قَوْلُهُ: (إمْرَارُ الْيَدِ) وَغَيْرُ الْيَدِ مِثْلُهَا وَلَوْ نَحْوَ عُودٍ فِي الْأَمَاكِنِ الضَّيِّقَةِ كَطَيَّاتِ السُّرَّةِ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ مِنَّا بِوُجُوبِهِ مُطْلَقًا كَمَالِكٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ أَيْ غَيْرُ الْمُزَنِيِّ: هُوَ وَاجِبٌ فِي الْأَزَبِّ فَقَطْ، وَالْأَزَبُّ بِالزَّايِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ كَثِيرُ الشَّعْرِ وَالْأَصَحُّ نَدْبُهُ مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الثَّلَاثِ) أَيْ الْمَطْلُوبَةِ شَرْعًا، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ. لَكِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ قَبْلَ هَذَا سَنَّ التَّثْلِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ يَدُهُ) لَيْسَ قَيْدًا فَيَسْتَعِينُ عَلَى بَقِيَّةِ بَدَنِهِ بِخِرْقَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فَلَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى مَا أَمْكَنَهُ لَكَانَ أَوْلَى ق ل. أَيْ لِأَنَّ مَنْ أَوْجَبَهُ أَوْجَبَهُ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَحْصُلُ جَعْلُ قَوْلِهِ خُرُوجًا إلَخْ عِلَّةً لَهُ اهـ شَيْخُنَا ح ف. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا أَنَّ قَوْلَهُ: مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ يَدُهُ إحْدَى طَرِيقَتَيْنِ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعَانَةٌ فِي غَيْرِ مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ يَدُهُ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا وَهِيَ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ سَحْنُونَ، وَهِيَ