للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ بِحَضْرَةِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ نَظَرُهُ إلَى عَوْرَتِهِ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ.

وَمَنْ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ وَنَحْوِهَا كَحَيْضٍ وَجُمُعَةٍ وَنَحْوِهَا كَعِيدٍ حَصَلَ غُسْلُهُمَا، كَمَا لَوْ نَوَى الْفَرْضَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، أَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا حَصَلَ فَقَطْ اعْتِبَارًا بِمَا نَوَاهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْدَرِجْ النَّفَلُ فِي الْفَرْضِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فَأَشْبَهَ سُنَّةَ الظُّهْرِ مَعَ فَرْضِهِ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ الْفَرْضَ دُونَ التَّحِيَّةِ حَصَلَتْ التَّحِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ إشْغَالُ الْبُقْعَةِ بِصَلَاةٍ وَقَدْ حَصَلَ، وَلَيْسَ الْقَصْدُ هُنَا النَّظَافَةَ فَقَطْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ.

وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَرْضَانِ كَغُسْلِ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ كَفَاهُ الْغُسْلُ لِأَحَدِهِمَا، وَكَذَا لَوْ سُنَّ فِي حَقِّهِ سُنَّتَانِ كَغُسْلَيْ عِيدٍ وَجُمُعَةٍ، وَلَا يَضُرُّ التَّشْرِيكُ بِخِلَافِ نَحْوِ الظُّهْرِ مَعَ سُنَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الطَّهَارَاتِ عَلَى التَّدَاخُلِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.

وَلَوْ أَحْدَثَ ثُمَّ أَجْنَبَ أَوْ أَجْنَبَ ثُمَّ أَحْدَثَ أَوْ أَجْنَبَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

انْفَصَلَتْ حَالَةَ الْإِسْلَامِ، وَفِيمَا لَوْ قُطِعَ مِنْ كَافِرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ مُسْلِمًا فَهَلْ تَعُودُ لَهُ يَدُهُ وَتُنَعَّمُ، وَإِنْ كَانَتْ انْفَصَلَتْ حَالَةَ الْكُفْرِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالظَّاهِرُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهَا تَعُودُ وَتُنَعَّمُ فِيمَا لَوْ قُطِعَتْ فِي الْكُفْرِ، وَتُعَذَّبُ فِيمَا لَوْ قُطِعَتْ قَبْلَ الرِّدَّةِ. لَا يُقَالُ: تَعْذِيبُ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَنْعِيمُ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فِي الْكُفْرِ تَعْذِيبٌ لِلْأُولَى، وَقَدْ قُطِعَتْ مُتَّصِفَةً بِالْإِسْلَامِ وَتَنْعِيمُ الثَّانِيَةِ وَقَدْ قُطِعَتْ فِي الْكُفْرِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَقْطُوعَةُ فِي الْإِسْلَامِ سُلِبَتْ الْأَعْمَالُ الصَّادِرَةُ مِنْهَا بِارْتِدَادِ صَاحِبِهَا، وَالْمَقْطُوعَةُ فِي الْكُفْرِ سَقَطَتْ الْمُؤَاخَذَةُ لَهَا بِمَا صَدَرَ مِنْهَا لِإِسْلَامِ صَاحِبِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ اغْتَسَلَ إلَخْ) وَلَوْ طُلِبَ مِنْهُ أَغْسَالٌ مُسْتَحَبَّةٌ كَعِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَجُمُعَةٍ وَنَوَى أَحَدَهَا حَصَلَ الْجَمِيعُ لِمُسَاوَاتِهَا لِمَنْوِيِّهِ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَسْبَابُ أَغْسَالٍ وَاجِبَةٍ وَنَوَى أَحَدَهَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الطَّهَارَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ ح ل. وَالْمُرَادُ بِحُصُولِ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ سُقُوطُ طَلَبِهِ.

قَوْلُهُ: (حَصَلَ غُسْلُهُمَا) حَاصِلُهُ أَنْ يُقَالَ: إمَّا أَنْ يَكُونَا وَاجِبَيْنِ شَرْعًا، أَوْ مَنْدُوبَيْنِ ذَلِكَ أَوْ يَكُونَا وَاجِبَيْنِ جَعْلًا أَوْ أَحَدُهُمَا جَعْلًا وَالْآخَرُ شَرْعًا، أَوْ أَحَدُهُمَا شَرْعًا، وَالْآخَرُ مَنْدُوبًا كَذَلِكَ، فَالْأَوَّلُ بِقِسْمَيْهِ تَكْفِي لَهُمَا نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَالثَّانِي بِقِسْمَيْهِ لَا بُدَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ نِيَّةٍ، وَالثَّالِثُ هُوَ كَلَامُ الشَّارِحِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ إلَخْ. وَوَجْهُ وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوَاجِبَيْنِ جَعْلًا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ النَّذْرُ أَسْبَابُهُ مُخْتَلِفَةٌ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَوَجْهُ وُجُوبِ النِّيَّةِ لَهُمَا فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا وَاجِبًا شَرْعًا، وَالْآخَرُ جَعْلًا أَنَّ نِيَّةَ أَحَدِهِمَا لَا تَتَضَمَّنُ الْآخَرَ بِخِلَافِ الْوَاجِبَيْنِ شَرْعًا فَإِنَّ الْمَنْعَ وَاحِدٌ أَيْ الْمَمْنُوعُ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعٌ مِنْ الْآخَرِ، وَوَجْهُهُ فِيمَا لَوْ طُلِبَ مِنْهُ أَغْسَالٌ مُسْتَحَبَّةٌ كَعِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ، وَنَوَى أَحَدَهَا مِنْ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْجَمِيعُ لِمُسَاوَاتِهَا لِمَنْوِيِّهِ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الطَّهَارَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ إطْفِيحِيٌّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ لَلْجُمُعَة. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ: لَوْ نَوَى إلَخْ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا حَصَلَ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (إشْغَالُ الْبُقْعَةِ) التَّعْبِيرُ بِهِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: شَغْلُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ شَغَلَ قَالَ تَعَالَى: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا} [الفتح: ١١] وَالْجَمْعُ أَشْغَالٌ، وَشَغَلَهُ مِنْ بَابِ قَطَعَ فَهُوَ شَاغِلٌ، وَلَا تَقُلْ: أَشْغَلَ لِأَنَّهُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ ع ش.

قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ الْقَصْدُ هُنَا) أَيْ فِي نَحْوِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ.

قَوْلُهُ: (فَرْضَانِ) أَيْ أَوْ أَكْثَرُ وَكَذَا قَوْلُهُ سَنَتَانِ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِحُصُولِ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ سُقُوطُ طَلَبِهِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الْجَمِيعِ إلَّا إذَا نَوَاهَا بِخِلَافِ التَّحِيَّةِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهَا إنْ نَوَاهَا، أَوْ أَطْلَقَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (كَفَاهُ الْغُسْلُ لِأَحَدِهِمَا) لَيْسَ هَذَا تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ إلَخْ. لِأَنَّ ذَاكَ فِي النِّيَّةِ، وَهَذَا فِي الْغُسْلِ وَأَيْضًا هَذَا أَعَمُّ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ التَّشْرِيكُ) أَيْ فِي الْغُسْلِ لَا فِي النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكَلَامِ أَنَّهُ نَوَى إحْدَى الْفَرِيضَتَيْنِ أَوْ السُّنَّتَيْنِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالتَّشْرِيكِ حَصَّلَ الْغُسْلَيْنِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْآخَرَ الَّذِي لَمْ يَنْوِ وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ م ر فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ نَحْوِ الظُّهْرِ مَعَ سُنَنِهِ) أَيْ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>