وَأَحْدَثَ مَعًا كَفَى الْغُسْلُ لِانْدِرَاجِ الْوُضُوءِ فِي الْغُسْلِ.
تَتِمَّةٌ: يُبَاحُ لِلرِّجَالِ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُمْ وَصَوْنُ عَوْرَاتِهِمْ عَنْ الْكَشْفِ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُمْ النَّظَرُ إلَيْهَا،
وَقَدْ رُوِيَ: «أَنَّ الرَّجُلَ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ عَارِيًّا لَعَنَهُ مَلَكَاهُ» . رَوَاهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: ١١] {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: ١٢] وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ دُخُولُ الْحَمَّامِ إلَّا بِمِئْزَرٍ» .
أَمَّا النِّسَاءُ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ بِلَا عُذْرٍ لِخَبَرِ: «مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إلَّا هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَلِأَنَّ أَمْرَهُنَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي السَّتْرِ، وَلِمَا فِي خُرُوجِهِنَّ وَاجْتِمَاعِهِنَّ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ. وَيَجِبُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمَاءِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَا الْعَادَةِ.
(وَآدَابُهُ) : أَنْ يَقْصِدَ التَّطْهِيرَ وَالتَّنْظِيفَ لَا التَّرَفُّهَ وَالتَّنَعُّمَ، وَأَنْ يُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ قَبْلَ دُخُولِهِ، وَأَنْ يُسَمِّيَ لِلدُّخُولِ ثُمَّ يَتَعَوَّذَ كَمَا فِي دُخُولِ الْخَلَاءِ، وَأَنْ يَذْكُرَ بِحَرَارَتِهِ حَرَارَةَ نَارِ جَهَنَّمَ لِشَبَهِهِ بِهَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ عَافَاكَ اللَّهُ وَلَا بِالْمُصَافَحَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَالِطَ النَّاسَ وَالتَّنْظِيفُ وَالسِّوَاكُ وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَإِزَالَةُ رِيحٍ كَرِيهَةٍ وَحُسْنُ الْأَدَبِ مَعَهُمْ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَالتَّشْرِيكُ فِيهِ يَضُرُّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَبْنَى الطَّهَارَاتِ عَلَى التَّدَاخُلِ) أَيْ إذَا كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَحْدَثَ إلَخْ) هَذَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَجْنَبَ وَأَحْدَثَ مَعًا) أَيْ بِأَنْ وَطِئَ بِلَا حَائِلٍ.
قَوْلُهُ: (يُبَاحُ لِلرِّجَالِ دُخُولُ الْحَمَّامِ) وَأَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَهُ سَيِّدُنَا سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِلْقِيسَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِهَا شَعْرٌ فَنَفَرَ مِنْهَا فَسَأَلَ الْجِنَّ فَقَالُوا: نَحْتَالُ لَك بِحِيلَةٍ حَتَّى تَكُونَ كَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ، فَصَنَعُوا لَهَا الْحَمَّامَ لِيَذْهَبَ الشَّعْرُ فِيهِ بِالنُّورَةِ وَصَنَعُوا لَهُ أَيْضًا الْقَزَازَ وَالصَّابُونَ وَالطَّاحُونَ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
حَمَّامُ طَاحُونٍ قَزَازُ نُورَةٍ ... صَابُونُ صُنْعِ الْجِنِّ هَذَا ثَابِتٌ
وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَّامَاتٌ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ. وَقَالَ: «سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَبْوَابٌ يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلَا تَدْخُلُوهَا إلَّا بِمِئْزَرٍ» . وَقِيلَ: كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي زَمَنِهِ وَلَمْ يَدْخُلْهَا. فَائِدَةٌ: إذَا دَخَلَ إنْسَانٌ الْحَمَّامَ وَغَرَفَ عَلَى رَأْسِهِ سَبْعَ طَاسَاتٍ مِنْ الْمَاءِ الْحَارِّ أَمِنَ مِنْ الدَّوْخَةِ، وَإِذَا شَرِبَ خَمْسَ جَرَعَاتٍ مِنْ الْمَاءِ الْحَارِّ أَمِنَ مِنْ وَجَعِ الْقَلْبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمِصْرِيُّ عَلَى الْأَزْهَرِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (لَعَنَهُ مَلَكَاهُ) أَيْ الْحَافِظَانِ
قَوْلُهُ: (أَمَّا النِّسَاءُ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ) أَيْ مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ عَوْرَاتِهِنَّ لِأَحَدٍ وَقَرَّرَ شَيْخُنَا ح ف. أَنَّ دُخُولَ النِّسَاءِ الْحَمَّامَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ مِنْهُنَّ كَشْفُ عَوْرَاتِهِنَّ وَعَدَمُ تَسَتُّرِهِنَّ حَتَّى فِي الطُّرُقِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى، الزَّوْجِ أَنْ يَأْذَنَ لِزَوْجَتِهِ فِي الذَّهَابِ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ) لَعَلَّ صُورَتَهُ مَعَ السَّتْرِ وَعَدَمِ الْخَلْوَةِ فَهُنَّ حِينَئِذٍ كَالنِّسَاءِ فِي كَرَاهَةِ دُخُولِ الْحَمَّامِ إلَّا لِعُذْرٍ، فَإِنَّ اخْتِلَاءَ الْخُنْثَى بِالْخُنْثَى حَرَامٌ لِاحْتِمَالِ اخْتِلَافِهِمَا أَوْ يُصَوَّرُ بِدُخُولِ كُلِّ خُنْثَى وَحْدَهُ أَوْ أَنَّ الْخَنَاثَى مَحَارِمُ كَإِخْوَةٍ اهـ م د.
قَوْلُهُ: (وَآدَابُهُ) أَيْ. الْحَمَّامِ أَيْ آدَابُ دَاخِلِهِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُسَمِّيَ لِلدُّخُولِ) وَأَنْ يَمْكُثَ فِي كُلِّ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِ زَمَنًا لَطِيفًا دُخُولًا وَخُرُوجًا، وَأَنْ يَغْتَسِلَ عِنْدَ خُرُوجِهِ بِمَاءٍ مُعْتَدِلٍ إلَى الْبُرُودَةِ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ اهـ ق ل.