كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى» الْحَدِيثَ، وَتَقْرِيبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ إلَى الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ انْتِفَاءِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ،
لَوْ تَعَارَضَ الْغُسْلُ وَالتَّبْكِيرُ فَمُرَاعَاةُ الْغُسْلِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَائِدٌ عَلَى مَعْلُومٍ بِالْقَرِينَةِ، وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُقَدَّرٍ، وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ، وَاجِبٌ.
قَوْلُهُ: (فَالْغُسْلُ) أَيْ مَعَ الْوُضُوءِ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوُضُوءِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: كَيْفَ يَكُونُ الْغُسْلُ الْمَنْدُوبُ أَفْضَلَ مِنْ الْوُضُوءِ الْوَاجِبِ وَيُنْدَبُ لِصَائِمٍ خَشِيَ مُفْطِرًا تَرْكُ الْغُسْلِ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ) وَقِيلَ: وَقْتُهُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَيَنْتَهِي بِجُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَهُ ق ل. وَالصَّوَابُ بِفَرَاغِ صَلَاتِهَا بِسَلَامِ الْإِمَامِ وَلَا يُبْطِلُهُ طُرُوُّ حَدَثٍ، وَلَوْ أَكْبَرَ، وَلَا تُسَنُّ إعَادَتُهُ عِنْدَ طُرُوُّ مَا ذُكِرَ كَمَا تُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا فِي الْعُبَابِ كَالتَّجْرِيدِ، قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ. وَاعْتَمَدَ ع ش سُنَّ إعَادَتُهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالرَّوَاحِ هَلْ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَنْزِلِ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ طَالَ الْمَشْيُ مِنْ الْمَنْزِلِ إلَى الْمَسْجِدِ بِزَمَانٍ كَثِيرٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الرَّوَاحُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الرَّوَاحَ اسْمٌ لِلذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ إلَخْ. فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَكْتُبُونَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِمْ، وَنُقِلَ عَنْ الزِّيَادِيِّ مَا يُوَافِقُ. نَعَمْ الْمَشْيُ لَهُ ثَوَابٌ آخَرُ زَائِدٌ عَلَى مَا يُكْتَبُ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غَيْرِهِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (الْحَدِيثَ) بِالنَّصْبِ أَيْ اقْرَأْ الْحَدِيثَ وَتَتِمَّتُهُ: «فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ أَيْ الْخُطْبَةَ أَيْ طَوَوْا الصُّحُفَ فَلَمْ يَكْتُبُوا أَحَدًا» وَهَؤُلَاءِ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَظِيفَتُهُمْ كِتَابَةُ حَاضِرِي الْجُمُعَةِ وَاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ: «فِي الْخَامِسَةِ كَاَلَّذِي يُهْدِي عُصْفُورًا وَفِي السَّادِسَةِ بَيْضَةً» . فَمَنْ جَاءَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْهَا، وَمَنْ جَاءَ فِي آخِرِهَا مُشْتَرِكَانِ فِي تَحْصِيلِ الْبَدَنَةِ مَثَلًا، لَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ الْآخَرِ، وَبَدَنَةُ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةٌ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَالَ ح ل: وَفِيهِ أَنَّ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَيَّامِ الشِّتَاءِ لَا يَبْلُغُ سِتَّ سَاعَاتٍ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ السَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ الْأَرْبَعِ وَالْعِشْرِينَ مِقْدَارَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الَّتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً، بَلْ تَرْتِيبُ دَرَجَاتِ السَّابِقِينَ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فِي الْفَضِيلَةِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِي يَوْمِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ حَتَّى لَوْ حَضَرُوا كُلُّهُمْ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى كَانَ الْأَوَّلُ أَفْضَلَ مِنْ الثَّانِي، وَالثَّانِي أَفْضَلَ مِنْ الثَّالِثِ وَهَكَذَا اهـ. وَقَوْلُهُ: لَا يَبْلُغُ سِتَّ سَاعَاتٍ مِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر. قَالَ سم: وَلِي فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ أَقَلُّ أَيَّامِ الشِّتَاءِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دَرَجَةً وَهِيَ عَشْرُ سَاعَاتٍ فَلَكِيَّةٍ، وَابْتِدَاءُ الْيَوْمِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَلَكِ مِنْ الشَّمْسِ فَمِنْ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ يَخُصُّهُ خَمْسُ سَاعَاتٍ وَابْتِدَاءُ الْيَوْمِ عَلَى الرَّاجِحِ هُنَا مِنْ الْفَجْرِ فَمَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ يَبْلُغُ سِتَّ سَاعَاتٍ فِي أَقَلِّ أَيَّامِ الشِّتَاءِ فَتَأَمَّلْ اهـ.
قَوْلُهُ: (مِنْ ذَهَابِهِ) بِفَتْحِ الذَّالِ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: ١٨] .
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ انْتِفَاءِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ) أَيْ فِي أَصْلِ طَلَبِهِ، فَلَا يُنَافِي طَلَبُ التَّيَمُّمِ بَدَلَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ ق ل. وَقَالَ شَيْخُنَا: هَذَا التَّعْلِيلُ خَاصٌّ بِالْغُسْلِ فَيَقْتَضِي أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُسَنُّ قُرْبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَقِيسٌ عَلَى الْغُسْلِ، ثُمَّ رَأَيْت؛ سم؛ ذَكَرَ مَا نَصُّهُ: وَانْظُرْ لَوْ تَيَمَّمَ بَدَلًا عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ هَلْ يَكُونُ تَقْرِيبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ أَفْضَلَ أَيْضًا كَالْغُسْلِ الظَّاهِرُ؟ نَعَمْ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ) وَلِتَعَدِّي أَثَرِهِ إلَى الْغَيْرِ وَهُوَ دَفْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَلِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ بِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْفَاضِلِ عَلَى بَقِيَّةِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، وَمِنْ ثَمَّ انْفَرَدَتْ الْجُمُعَةُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ بِخِلَافِ التَّبْكِيرِ فَإِنَّ نَفْعَهُ قَاصِرٌ عَلَى الْمُبَكِّرِ. وَوَقْتُ جَوَازِهِ مِنْ الْفَجْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَصِحُّ الْغُسْلُ إلَّا عِنْدَ الرَّوَاحِ إلَيْهَا. وَنَقَلَ الْبِرْمَاوِيُّ عَلَى الْغَزِّيِّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ فِيهِ قَوْلًا بِالْوُجُوبِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ