للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْهِ وَيَسْتَوْعِبُهُمْ كَأَنْ يُنَادِيَ فِيهِمْ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَجُودُ بِهِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فِي ذَلِكَ نَظَرَ حَوَالَيْهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَأَمَامًا وَخَلْفًا إلَى الْحَدِّ الْآتِي، وَخَصَّ مَوْضِعَ الْخُضْرَةِ وَالطَّيْرِ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ وَهْدَةٌ أَوْ جَبَلٌ يُرَدِّدُ إنْ أَمِنَ مَعَ مَا يَأْتِي اخْتِصَاصًا، وَمَا لَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِمَاءِ طَهَارَتِهِ إلَى حَدٍّ يَلْحَقُهُ فِيهِ غَوْثُ رُفْقَتِهِ لَوْ اسْتَغَاثَ بِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالسُّؤَالِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَسْعَى بِهِ فِي تَحْصِيلِ مُرَادِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي حَاشِيَةِ الْبَيْضَاوِيِّ عَنْ الطِّيبِيِّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ١٠٢] مِنْ أَنَّ الطَّلَبَ وَالسُّؤَالَ وَالِاسْتِخْبَارَ وَالِاسْتِفْهَامَ وَالِاسْتِعْلَامَ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ، وَأَنَّهَا مُتَرَتِّبَةٌ فَالطَّلَبُ أَعَمَّهَا قَالَ: لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الطَّلَبَ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَالسُّؤَالُ خَاصٌّ بِالطَّلَبِ مِنْ الْغَيْرِ إلَى آخِرِ مَا بَيَّنَ بِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّلَبَ مِنْ النَّفْسِ لَيْسَ عِبَارَةً إلَّا عَنْ التَّأَمُّلِ فِي الشَّيْءِ لِيَظْهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ فَهُوَ كَالْبَحْثِ وَالتَّفْتِيشِ فِي الرَّحْلِ عَنْ الْمَاءِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَرُفْقَتُهُ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ سُمُّوا بِذَلِكَ لِارْتِفَاقِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ.

قَوْلُهُ: (الْمَنْسُوبِينَ إلَيْهِ) أَيْ عَادَةً لَا كُلَّ قَافِلَةٍ تَفَاحَشَ كِبَرُهَا. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِمْ مَنْسُوبِينَ إلَيْهِ اتِّحَادُهُمْ مَنْزِلًا وَرَحِيلًا.

قَوْلُهُ: (وَيَسْتَوْعِبُهُمْ) أَيْ مَا دَامَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا ز ي، وَلَمَّا كَانَ هَذَا صَادِقًا بِاسْتِيعَابِ جَمِيعِ آحَادِهِمْ فَرْدًا فَرْدًا وَلَيْسَ مُرَادًا دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: كَأَنْ يُنَادِيَ فِيهِمْ إلَخْ. أَيْ: فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِيعَابِ سُؤَالَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ، بَلْ يَكْفِي نِدَاءٌ يَعُمُّ جَمِيعَهُمْ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَجُودُ بِهِ أَيْ وَمَنْ يَبِيعُهُ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَهَبُهُ وَيَبِيعُهُ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَنْ يَجُودُ بِهِ سَكَتَ مَنْ لَا يَبْذُلُهُ مَجَّانًا، أَوْ عَلَى إطْلَاقِ النِّدَاءِ سَكَتَ مَنْ يُظَنُّ اتِّهَابَهُ وَلَا يَسْمَحُ بِهِ شَرْحُ م ر اط ف مَعَ زِيَادَةٍ.

قَوْلُهُ: (يَجُودُ بِهِ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ بِالثَّمَنِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إلَخْ) لَيْسَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ وَاجِبًا، فَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ فَقَطْ، وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى النَّظَرِ إلَّا بَعْدَ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْتِيشِ وَالطَّلَبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَسْهَلَ مَا ذُكِرَ، وَرُبَّمَا تُوهِمُ عِبَارَتُهُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ اهـ. بَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَدِّمَ النَّظَرَ وَالتَّرَدُّدَ الْآتِيَ عَلَى الطَّلَبِ مِنْ رَحْلِهِ وَرُفْقَتِهِ.

قَوْلُهُ: (نَظَرَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ مَشْيٍ حَجّ.

قَوْلُهُ: (حَوَالَيْهِ) جَمْعٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْمُثَنَّى؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ التَّكْثِيرُ وَهُوَ جَمْعُ حَوْلَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ اهـ، قَوْلُهُ: (إلَى الْحَدِّ الْأَتْي) أَيْ حَدِّ الْغَوْثِ.

قَوْلُهُ: (وَخَصَّ مَوْضِعَ الْخُضْرَةِ) أَيْ وُجُوبًا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُ الْمَاءِ وَتَوَقَّفَ ظَنُّ الْفَقْدِ عَلَيْهِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ: نَظَرَ حَوَالَيْهِ فَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِهِ، فَالْجُمْلَةُ الَّتِي بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضَةٌ. وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ نَظَرَ حَوَالَيْهِ إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَهْدَةٌ) أَيْ وَطَيَّةٌ. قَوْلُهُ: (تَرَدَّدَ) بِأَنْ يَصْعَدَ عَلَى الْجَبَلِ أَوْ يَنْزِلَ الْوَهْدَةَ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطَّ بِشَيْءٍ مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ إذَا صَعَدَ نَحْوَ الْجَبَلِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَرَدَّدَ وَيَمْشِيَ فِي كُلِّ جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ إلَى حَدِّ الْغَوْثِ، وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ هَذَا رُبَّمَا يَزِيدُ عَلَى حَدِّ الْبُعْدِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَتَرَدَّدُ وَيَمْشِي فِي مَجْمُوعِهَا إلَى حَدِّ الْغَوْثِ، لَا فِي كُلِّ جِهَةٍ ح ل. بِأَنْ يَمْشِيَ فِي كُلِّ جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ بِحَيْثُ يُحِيطُ نَظَرُهُ بِحَدِّ الْغَوْثِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَجْمُوعُ الَّذِي يَمْشِيهِ فِي الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ يَبْلُغُ حَدَّ الْغَوْثِ خِلَافًا لِلْحَلَبِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِحَاطَةُ بِحَدِّ الْغَوْثِ وَإِنْ لَمْ يَمْشِ أَصْلًا فَقَوْلُهُ إلَى حَدِّ غَوْثٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَنَظَرَ إلَى حَدِّ غَوْثِ مَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا

قَوْلُهُ: (إنْ أَمِنَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنْ يَأْمَنَ أَمْنًا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ هُنَا مُجَوِّزُ الْمَاءِ لَا مُتَيَقِّنُهُ كَمَا يَأْتِي. وَقَوْلُهُ: (مَعَ مَا يَأْتِي) وَهُوَ النَّفْسُ وَالْعُضْوُ وَالزَّائِدُ عَلَى مَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِلْمَاءِ، وَالِانْقِطَاعُ عَنْ الرُّفْقَةِ، وَخُرُوجُ الْوَقْتِ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَأْتِي أَمْنُ الْوَقْتِ، وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِهِ فِيمَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، أَمَّا مَنْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَمْنُ الْوَقْتِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ نِزَاعٍ طَوِيلٍ اهـ. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا ح ف أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ الْآتِيَةِ فِي حَدِّ الْقُرْبِ، وَأَمَّا مَا هُنَا أَيْ فِي حَدَثِ الْغَوْثِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَمْنُ عَلَى الْوَقْتِ مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (اخْتِصَاصًا) أَيْ مُحْتَرَمًا.

قَوْلُهُ: (وَمَالًا) أَيْ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (يَجِبُ بَذْلُهُ) الصَّوَابُ إسْقَاطُ هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ الْأَمْنَ هُنَا عَلَى الِاخْتِصَاصِ شَرْطٌ، فَالْمَالُ، وَإِنْ قَلَّ أَوْلَى، وَمَا أَجَابَ بِهِ ق ل غَيْرُ ظَاهِرٍ.

قَوْلُهُ: (يَلْحَقُهُ فِيهِ غَوْثٌ) وَلِأَجْلِ هَذَا سَمَّوْهُ حَدَّ الْغَوْثِ أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>