للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «التُّرَابُ كَافِيك وَلَوْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ حِجَجٍ، فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَك» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْمَقْصُودِ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَآهُ فِي أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ، وَوُجُودُ ثَمَنِ الْمَاءِ عِنْدَ إمْكَانِ شِرَائِهِ كَوُجُودِ الْمَاءِ

وَكَذَا تَوَهُّمُ الْمَاءِ وَإِنْ زَالَ سَرِيعًا لِوُجُوبِ طَلَبِهِ بِخِلَافِ تَوَهُّمِ سُتْرَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُهَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ وُجْدَانِهَا بِالطَّلَبِ لِلْبُخْلِ بِهَا، وَمِنْ التَّوَهُّمِ رُؤْيَةُ سَرَابٍ، وَهُوَ مَا يُرَى نِصْفَ النَّهَارِ كَأَنَّهُ مَاءٌ أَوْ رُؤْيَةُ غَمَامَةٍ مُطْبِقَةٍ بِقُرْبِهِ، أَوْ رُؤْيَةُ رَكْبٍ طَلَعَ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُتَوَهَّمُ مَعَهُ الْمَاءُ، فَلَوْ سَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ: عِنْدِي مَاءٌ لِغَائِبٍ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِعِلْمِهِ بِالْمَاءِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْعِلْمُ فَدَخَلَ الْأَعْمَى، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا، وَإِنْ لَمْ يَكْفِ لِطَهَارَتِهِ وَلَوْ عَمَّتْ الْجِرَاحَةُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَرَأْسَهُ، وَرِجْلَاهُ سَلِيمَتَانِ وَفَقَدَ الْمَاءَ وَتَيَمَّمَ تَيَمُّمًا وَاحِدًا، ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى رِجْلَيْهِ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ عَنْهُمَا لِفَقْدِ الْمَاءِ، وَقَدْ وَرَدَ عَلَيْهِ وَلَا يَبْطُلُ بِالنِّسْبَةِ لِبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ عَنْهَا لِلْعِلَّةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ؛ إذْ بُطْلَانُ بَعْضِ الطَّهَارَةِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ بِالْمَاءِ أَوْ بِالتُّرَابِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (الطَّهُورِ) لَا حَاجَةَ لِتَقْيِيدِهِ بِالطَّهُورِ؛ إذْ رُؤْيَةُ الْمَاءِ مُضِرَّةٌ مُطْلَقًا كَذَا قِيلَ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ) أَيْ وَقْتِ التَّلَبُّسِ بِهَا أَيْ: قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالرَّاءِ مِنْ أَكْبَرَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ اج. قَوْلُهُ: (وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ) أَيْ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ حَجّ أَيْ إذَا كَانَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى الْوَقْتِ حِينَئِذٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي سم مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ أَمْ لَا. أَيْ: إذَا كَانَ الْمَاءُ فِي حَدِّ الْغَوْثِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا غَايَةٌ فِي التَّيَقُّنِ الَّذِي هُوَ الرُّؤْيَةُ أَيْ الْعِلْمُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بِخِلَافِ التَّوَهُّمِ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى ضِيقِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَوْ تَوَضَّأَ خَرَجَ الْوَقْتُ لِانْتِفَاءِ الْمُبِيحِ فِي التَّيَقُّنِ ز ي. وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُفَسِّرَ الضِّيقَ بِمَا إذَا تَوَضَّأَ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا. قَوْلُهُ: (حِجَجٍ) أَيْ سِنِينَ جَمْعُ حِجَّةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ كَسِدْرَةٍ.

قَوْلُهُ: (رَوَاهُ الْحَاكِمُ) أَيْ أَيْضًا فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد. وَفِي حَجّ: وَرَوَاهُ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا تَوَهُّمُ الْمَاءِ) وَمِثْلُهُ الْآلَةُ وَالرِّشَاءُ أَيْ: يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى الْوَقْتِ، وَلَوْ كَانَ الْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي حَدِّ الْغَوْثِ نَظَرًا لِلْعِلَّةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: لِوُجُودِ طَلَبِهِ؛ إذْ لَا يَجِبُ طَلَبُهُ إذَا تَوَهَّمَهُ فِي حَدِّ الْقُرْبِ، وَالرِّشَاءُ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَهُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يَسْتَقِي بِهِ، فَعَطَفَهُ عَلَى الْآلَةِ عَطْفَ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَمِنْهُ أَيْ التَّوَهُّمِ مَا لَوْ تَوَهَّمَ زَوَالَ الْمَانِعِ الْحِسِّيِّ كَأَنْ تَوَهَّمَ زَوَالَ السَّبْعِ فَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لِوُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ تَوَهُّمِ زَوَالِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ كَتَوَهُّمِ الشِّفَاءِ فَلَا يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ اهـ.

قَوْلُهُ: (رُؤْيَةُ سَرَابٍ) أَيْ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ عِنْدَ رُؤْيَةِ ابْتِدَائِهِ أَنَّهُ سَرَابٌ، وَإِلَّا فَلَا بُطْلَانَ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ وَاحِدٌ لِجَمْعٍ مُتَيَمِّمِينَ أَبَحْتُكُمْ هَذَا الْمَاءَ أَوْ وَهَبْته لَكُمْ وَهُوَ يَكْفِي وَاحِدًا فَقَطْ بَطَلَ تَيَمُّمُ الْكُلِّ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ تَوَقُّفِ الْبُطْلَانِ عَلَى الْقَبُولِ سم. فَرْعٌ: نَامَ مُتَيَمِّمٌ مُتَمَكِّنًا وَمَرَّ بِهِ مَاءٌ حَالَ نَوْمِهِ، وَلَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى وَصَلَ أَيْ الْمَاءُ إلَى مَحَلٍّ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ هَلْ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لِتَقْصِيرِهِ أَوْ لَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ؟ اخْتَارَ م ر عَدَمَ الْبُطْلَانِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ بِئْرٌ خَفِيَّةٌ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُقَالُ بِالْبُطْلَانِ وَيُفَرَّقُ بِتَقْصِيرِ النَّائِمِ بِخِلَافِ الْبِئْرِ الْخَفِيَّةِ اهـ اج وَجَزَمَ م ر بِالْأَوَّلِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ» .

فَرْعٌ: هَلْ مُجَرَّدُ تَوَهُّمِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ التُّرَابَ فِي الصَّلَاةِ يُبْطِلُهَا، كَمَا لَوْ تَوَهَّمَ الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ خَارِجَ الصَّلَاةِ حَيْثُ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَانْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ مُطْلَقًا وَنُقْصَانِهَا أَيْ الصَّلَاةِ حَتَّى قِيلَ إنَّهَا غَيْرُ صَلَاةٍ شَرْعِيَّةٍ أَوْ لَا. فِيهِ نَظَرٌ. وَمَالَ م ر إلَى الْبُطْلَانِ. قَالَ: إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ. اهـ. سم ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (غَمَامَةٍ مُطْبِقَةٍ بِقُرْبِهِ) أَيْ بِحَدِّ الْغَوْثِ فَمَا دُونَهُ فِيمَا يَظْهَرُ قَالَ حَجّ.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ سَمِعَ قَائِلًا إلَخْ) هَذِهِ فُرُوعٌ خَمْسَةٌ غَيْرُ مُتَفَرِّعَةٍ عَلَى مَا قَبْلَهَا، فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهَا وَذِكْرَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِنَّمَا يُبْطِلُهُ وُجُودُ الْمَاءِ إلَخْ. كَمَا فَعَلَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَإِنَّهَا مُتَفَرِّعَةٌ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ، قَوْلُهُ: (عِنْدِي لِغَائِبٍ مَاءٌ) أَيْ وَهُوَ يَعْلَمُ غَيْبَتَهُ وَعَدَمَ رِضَاهُ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ حُضُورَهُ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ حَالِهِ شَيْئًا بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِوُجُوبِ السُّؤَالِ عَنْهُ، وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ: عِنْدِي مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ مَاءٌ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لِوُجُوبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>