قَبْلَ الْمَانِعِ، أَوْ يَقُولُ: عِنْدِي لِغَائِبٍ مَاءٌ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ لِمُقَارَنَةِ الْمَانِعِ وُجُودَ الْمَاءِ، وَلَوْ قَالَ: عِنْدِي لِحَاضِرٍ مَاءٌ وَجَبَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ مَاءٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ السَّامِعُ غَيْبَتَهُ، وَلَا حُضُورَهُ وَجَبَ السُّؤَالُ عَنْهُ أَيْ: وَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الطَّلَبِ يُبْطِلُهُ، وَلَوْ سَمِعَهُ يَقُولُ: عِنْدِي مَاءُ وَرْدٍ بَطَلَ أَيْضًا، وَوُجُودُ مَا ذُكِرَ قَبْلَ تَمَامِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَوُجُودِهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَإِنَّمَا يُبْطِلُهُ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ تَوَهُّمُهُ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَانِعٍ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ كَعَطَشٍ وَسَبْعٍ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَالْعَدَمِ.
فَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَلَاةٍ لَا يَسْقُطُ قَضَاؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ بِأَنْ صَلَّى فِي مَكَان يَغْلِبُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْبَحْثِ عَنْ صَاحِبِ الْمَاءِ، فَيُحْتَمَلُ كُفْرُهُ وَهُوَ يَرَى لِلْخَمْرِ ثَمَنًا فَيَكُونُ مَانِعًا لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ ثَمَنٌ عِنْدَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخَمْرُ لِمُسْلِمٍ فَعِنْدَهُ لَا ثَمَنَ لِلْخَمْرِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ، وَالضَّابِطُ أَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ الْمَانِعُ لَمْ يَبْطُلْ التَّيَمُّمُ بِخِلَافِ تَأَخُّرِهِ كَعِنْدِي مَاءٌ لِلْعَطَشِ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (لِمُقَارَنَةِ الْمَانِعِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَارَنَةِ عَدَمُ التَّأَخُّرِ فَيَصْدُقُ بِالْمُتَقَدِّمِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ وَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ إلَخْ) أَيْ هُنَا لَيْسَتْ تَفْسِيرِيَّةً، وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى أَيْضًا أَيْ وَبَطَلَ التَّيَمُّمُ أَيْضًا أَيْ كَمَا وَجَبَ السُّؤَالُ بَطَلَ التَّيَمُّمُ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُهُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لِلْفَصْلِ بَيْنَ كَلَامَيْنِ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ الَّذِي بَعْدَهَا لِغَيْرِ الْقَائِلِ لِمَا قَبْلَهَا فَلَا يَظْهَرُ أَنَّهَا بِمَعْنَى أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (عِنْدِي مَاءُ وَرْدٍ) وَكَذَا عِنْدِي مَاءٌ نَجِسٌ أَوْ مُسْتَعْمَلٌ.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا) أَيْ التَّكْبِيرَةِ وَالْمَعِيَّةُ كَالْقَبْلِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ) وَمِثْلُ الْمَانِعِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَا لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ وَخَافَ غَرَقًا كَمَا قَالَ حَجّ. وَيَصِحُّ أَنْ يُلْغَزَ بِذَلِكَ وَيُقَالَ: لَنَا رَجُلٌ سَلِيمُ الْأَعْضَاءِ غَيْرُ فَاقِدٍ لِلْمَاءِ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَصُورَتُهُ: مَا لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ وَخَافَ غَرَقًا لَوْ أَخَذَ الْمَاءَ مِنْ الْبَحْرِ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
وَمَا رَجُلٌ لِلْمَاءِ لَيْسَ بِفَاقِدٍ ... سَلِيمٌ لِعُضْوٍ مِنْ مُبِيحِ تَيَمُّمِ
تَيَمَّمَ لَا يَقْضِي صَلَاةً وَهَذِهِ لَعَمْرِي ... حَقٌّ فِي كِتَابٍ مُفَخَّمِ
أَجَابَ كَاتِبُهُ مُضَمِّنًا الشَّطْرَ الْأَخِيرَ فِي السُّؤَالِ:
لَقَدْ كَانَ هَذَا فِي السَّفِينَةِ رَاكِبًا ... وَخَافَ سُقُوطًا لَوْ تَوَضَّأَ فَافْهَمْ
يُصَلِّي وَلَا يَقْضِي وَهَذَاكَ جَائِزٌ ... لَعَمْرِي جَزْمًا فِي كِتَابٍ مُعَظَّمِ
قَوْلُهُ: (كَعَطَشٍ) مَانِعٌ شَرْعِيٌّ. وَقَوْلُهُ: (وَسَبُعٌ) مَانِعٌ حِسِّيٌّ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ وُجُودَهُ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّوَهُّمَ كَالْعَدَمِ بِالْأَوْلَى.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَلَاةٍ إلَخْ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمَتْنِ الْمَارِّ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَالْمُرَادُ وَجَدَهُ، وَلَوْ فِي حَدِّ الْقُرْبِ، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي وُجُوبِ الطَّلَبِ فِي حَدِّ الْقُرْبِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَمْنُ خُرُوجِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِيمَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالتَّيَمُّمِ، بِخِلَافِ مَا لَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالتَّيَمُّمِ فَيَجِبُ الطَّلَبُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ مَرْحُومِيٌّ وَخَرَجَ بِوُجُودِهِ تَوَهُّمُهُ أَيْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا، وَيَبْطُلُ بِهِ غَيْرُهَا كَقِرَاءَةٍ وَطَوَافٍ وَوَطْءٍ ق ل. وَانْظُرْ لَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ وَشَكَّ هَلْ هَذَا الْمَحَلُّ مِمَّا يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ أَوْ الْوُجُودُ فَهَلْ تَبْطُلُ لِتَرَدُّدِهِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا الِانْعِقَادَ وَشَكَكْنَا فِي الْمُبْطِلِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهُ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ إنْ قَارَنَ شَكُّهُ التَّحَرُّمَ، وَظَاهِرُهُ بُطْلَانُهَا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ وَتَوَهُّمَهُ وَالْقُدْرَةَ عَلَى ثَمَنِهِ وَزَوَالَ الْعِلَّةِ تَارَةً تَكُونُ مَعَ حَائِلٍ وَتَارَةً تَكُونُ بِلَا حَائِلٍ، وَإِذَا كَانَتْ مَعَ حَائِلٍ فَتَارَةٌ يَتَقَدَّمُ عِلْمُهُ وَتَارَةً يَتَأَخَّرُ وَتَارَةً يُقَارِنُ، فَهَذِهِ سِتَّ عَشَرَةَ صُورَةً حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا وَهِيَ تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ أَوْ لَا. فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ صُورَةً فَإِنْ تَقَدَّمَ عِلْمُ الْحَائِلِ أَوْ قَارَنَ فَلَا بُطْلَانَ مُطْلَقًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِلَا حَائِلٍ أَوْ بِحَائِلٍ مُتَأَخِّرٍ فَتَارَةً يَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالصَّلَاةِ، وَتَارَةً يَكُونُ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهَا بَطَلَ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّلَبُّسِ لَهَا لَمْ يَبْطُلْ فِي التَّوَهُّمِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَيَنْظُرُ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ يَسْقُطُ فَرْضُهَا بِالتَّيَمُّمِ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ لِبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ.