فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ بِالِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا، وَإِنْ أَسْقَطَ التَّيَمُّمُ قَضَاءَهَا لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الْمَقْصُودِ فَكَانَ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُكَفِّرُ الرَّقَبَةَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَلِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ لَيْسَ حَدَثًا لَكِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ ابْتِدَاءِ التَّيَمُّمِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صَلَاةِ الْفَرْضِ كَظُهْرٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ، وَالنَّفَلِ كَعِيدٍ وَوِتْرٍ
وَلَوْ رَأَى الْمُسَافِرُ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاصِرٌ، ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ أَوْ نَوَى الْقَاصِرُ الْإِتْمَامَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ تَغْلِيبًا، لِحُكْمِ الْإِقَامَةِ فِي الْأُولَى، وَلِحُدُوثِ مَا لَمْ يَسْتَبِحْهُ فِيهَا. وَفِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ كَافْتِتَاحِ صَلَاةٍ أُخْرَى، وَشِفَاءُ الْمَرِيضِ مِنْ مَرَضِهِ فِي الصَّلَاةِ كَوِجْدَانِ الْمُسَافِرِ الْمَاءَ فِيهَا، فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ مِمَّا يَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ لَمْ يَبْطُلْ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ كَأَنْ تَيَمَّمَ، وَقَدْ وَضَعَ الْجَبِيرَةَ عَلَى حَدَثٍ بَطَلَتْ وَقَطَعَ الصَّلَاةَ لَا تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ لِيَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ بَدَلَهَا أَفْضَلَ مِنْ إتْمَامِهَا كَوُجُودِ الْمُكَفِّرِ الرَّقَبَةَ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (لَا يَسْقُطُ قَضَاؤُهَا) أَيْ فِعْلُهَا، وَالْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُطْلَقُ عَلَى الْآخَرِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا لَا يُقَالُ لَهُ قَضَاءٌ فِي الِاصْطِلَاحِ.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ صَلَّى إلَخْ) عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَحَلِّ الصَّلَاةِ لَا بِمَحَلِّ التَّيَمُّمِ، وَالْعِبْرَةُ أَيْضًا بِزَمَنِ الصَّلَاةِ فَقَطْ لَا جَمِيعِ الْعَامِّ سم، وَالْعِبْرَةُ أَيْضًا بِتَحَرُّمِهَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ) وَيَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ سَلَامِهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَاءَ تَلِفَ كَمَا يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ أَنْ يُدْخِلَ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ لِسُجُودِ السَّهْوِ بِخِلَافِهِ لِتَذَكُّرِ رُكْنٍ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْهَا كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الْمَقْصُودِ) إنْ قُلْت: هَذَا التَّعْلِيلُ يَأْتِي فِي الصَّلَاةِ الَّتِي لَا تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ التَّيَمُّمَ يَبْطُلُ بِوُجُودِ الْمَاءِ فِيهَا. قُلْت: قَدْ أَشَارَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ فِي التَّعْلِيلِ لِتَلَبُّسِهِ بِالْمَقْصُودِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ إتْمَامِهِ أَيْ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ وَهُوَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُكَفِّرُ الرَّقَبَةَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا وَجَدَ الرَّقَبَةَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الصَّوْمِ لَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ قَطْعُ الصَّوْمِ، وَإِعْتَاقُهَا وَكَالصَّوْمِ الْإِطْعَامُ، فَإِنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لَا يَجِبُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ ذَلِكَ، وَهَلْ يَقَعُ الصَّوْمُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا إذَا عَدَلَ إلَى الْإِعْتَاقِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ نَوَى بِهِ الْفَرْضَ، وَبَقِيَ مَا لَوْ انْقَطَعَ تَتَابُعُ الْمُكَفِّرِ هَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ حَيْثُ وَجَدَ الرَّقَبَةَ أَمْ يَسْتَأْنِفُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ اهـ اط ف.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ حَدَثًا) أَيْ حَتَّى يَبْطُلَ بِهِ التَّيَمُّمُ.
قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ ابْتِدَاءِ التَّيَمُّمِ) أَيْ لَا مِنْ دَوَامِهِ وَيُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، فَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الضَّمَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْبُطْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَعَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ) أَيْ فَيَسْقُطُ طَلَبُهَا فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ.
قَوْلُهُ: (وَالنَّفَلُ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّفَلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقَضَاءُ وَعَدَمُهُ وَفِيهِ بُعْدٌ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَسْقُطُ طَلَبُهُ فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ.
قَوْلُهُ: (فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ) أَيْ الَّتِي تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ بِأَنْ كَانَتْ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ أَوْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَلَيْسَ قَيْدًا، بَلْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ مَعَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ كَذَلِكَ فِي الْأَوْجَهِ سم. وَظَاهِرُهُ أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ تَضُرُّ هُنَا سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَقِلًّا مَاكِثًا أَمْ لَا. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي فِي قَطْعِ السَّفَرِ حَيْثُ اشْتَرَطُوا فِيهِ الِاسْتِقْلَالَ بِسَعَةِ بَابِ السَّفَرِ عَنْ بَابِ التَّيَمُّمِ؛ إذْ الْقَصْرُ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةً، وَهُنَا لَا يَتَيَمَّمُ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ فَأَدْنَى شَيْءٍ يُبْطِلُهُ اهـ اج.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ) أَيْ مَعَ الرُّؤْيَةِ وَبِالْأَوْلَى نِيَّةُ الْإِتْمَامِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ اهـ اج. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْإِقَامَةَ بِالْفِعْلِ وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ، وَنِيَّةُ الْإِتْمَامِ إنْ كَانَتْ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ، أَوْ مَعَهَا أَبْطَلَتْ التَّيَمُّمَ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ فَلَا تُبْطِلُهُ.
قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِقَامَةِ فِي الْأَوْلَى) أَيْ أَنَّهُ اجْتَمَعَ سَفَرٌ بِاعْتِبَارِ أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَإِقَامَةٌ بِاعْتِبَارِ آخِرِهَا فَغَلَّبْنَا الْإِقَامَةَ وَقُلْنَا بِالْبُطْلَانِ. قَوْلُهُ: (لِحُكْمِ الْإِقَامَةِ) أَيْ وَهُوَ الْإِتْمَامُ، وَالْإِتْمَامُ كَافْتِتَاحِ صَلَاةٍ أُخْرَى. وَقَوْلُهُ: (وَلِحُدُوثِ) إلَخْ الْمُرَادُ بِالْحُدُوثِ مَا يَشْمَلُ الْمُقَارَنَةَ، وَإِنْ كَانَ الْحُدُوثُ ظَاهِرًا فِي غَيْرِ الْمُقَارَنَةِ. قَوْلُهُ: (فِيهَا وَفِي الثَّانِيَةِ) أَيْ فَالْأُولَى مُعَلَّلَةٌ بِعِلَّتَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ مُعَلَّلَةٌ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ.
قَوْلُهُ: (كَوِجْدَانِ الْمُسَافِرِ) جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَمِثْلُهُ الْحَاضِرُ. قَوْلُهُ: (عَلَى حَدَثٍ) أَيْ وَأَخَذْت مِنْ الصَّحِيحِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِمْسَاكِ.
قَوْلُهُ: (وَقَطَعَ الصَّلَاةَ) فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، وَإِنْ كَانَتْ فِي جَمَاعَةٍ تَفُوتُ بِالْقَطْعِ. وَقَالَ م ر: لَا