للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَالَمٌ يُقَالُ عَالَمُ الْإِنْسِ وَعَالَمُ الْجِنِّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَسُمِّيَ الْمَالِكُ بِالرَّبِّ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ مَا يَمْلِكُهُ وَيُرَبِّيهِ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا مُقَيَّدًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: ٥٠] .

وَقَوْلُهُ: (الْعَالَمِينَ) اسْمُ جَمْعِ عَالَمٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَلَيْسَ جَمْعًا لَهُ لِأَنَّ الْعَالَمَ عَامٌّ فِي الْعُقَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَالْعَالَمِينَ مُخْتَصٌّ بِالْعُقَلَاءِ وَالْخَاصُّ لَا يَكُونُ جَمْعًا لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي تَوْضِيحِهِ وَذَهَبَ كَثِيرٌ إلَى أَنَّهُ جَمْعُ عَالَمٍ عَلَى حَقِيقَةِ الْجَمْعِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْعَالَمِ الَّذِي جُمِعَ هَذَا الْجَمْعَ؛ فَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ إلَى أَنَّهُ أَصْنَافُ الْخَلْقِ الْعُقَلَاءِ، وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ، وَذَهَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إلَى أَنَّهُ أَصْنَافُ الْعُقَلَاءِ فَقَطْ وَهُمْ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالْمَلَائِكَةُ.

ثُمَّ قَرَنَ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الثَّنَاءَ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (مَعْنَاهُ) أَيْ مَعَ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ، وَهَذَا أَحَدُ إطْلَاقَاتِهِ وَإِلَّا فَمَعَانِيهِ كَثِيرَةٌ. فَمِنْهَا الْمُصْلِحُ وَالْمُرَبِّي وَالْخَالِقُ وَالسَّيِّدُ وَالْمَعْبُودُ، وَمَعَ كَثْرَتِهَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ أَكْثَرِهَا فِيهِ سُبْحَانَهُ وَهُوَ مَقْرُونًا بِأَلْ يَخْتَصُّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ع ش. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ: وَوُجُوهُ تَرْبِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِخَلْقِهِ لَا يُحِيطُ بِهَا غَيْرُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَمِنْهَا تَرْبِيَةُ النُّطْفَةِ إذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ حَتَّى تَصِيرَ عَلَقَةً، ثُمَّ تَصِيرَ مُضْغَةً، ثُمَّ يَصِيرَ مِنْهَا عِظَامًا أَوْ غَيْرَهَا.

قَوْلُهُ: (اسْمُ جَمْعٍ) أَيْ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى جَمَاعَةٍ وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْقَوْمِ أَلْفَاظًا أَرْبَعَةً كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى التَّعَدُّدِ جَمْعٌ وَاسْمُ جَمْعٍ وَاسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ وَاسْمُ جِنْسٍ إفْرَادِيٌّ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا أَنَّ الْجَمْعَ يَدُلُّ عَلَى أَفْرَادِهِ دَلَالَةَ تَكْرَارِ الْوَاحِدِ بِالْعَطْفِ، وَاسْمُ الْجَمْعِ يَدُلُّ عَلَيْهَا دَلَالَةَ الْكُلِّ عَلَى أَجْزَائِهِ كَقَوْمٍ وَرَهْطٍ، وَاسْمُ الْجِنْسِ الْجَمْعِيُّ مَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ كَتَمْرٍ وَتَمْرَةٍ، وَاسْمُ الْجِنْسِ الْإِفْرَادِيُّ مَا دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ مِنْ كَثْرَةٍ أَوْ قِلَّةٍ فَيَصْدُقُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَاءٍ وَتُرَابٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (عَلَى حَقِيقَةِ الْجَمْعِ) أَيُّ جَمْعٍ حَقِيقَةً وَجَمْعُهُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ أَوْ الْيَاءِ وَالنُّونِ شَاذٌّ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ اسْمُ جِنْسٍ لَا عَلَمٌ وَلَا صِفَةٌ أَيْ: فَهُوَ فِي حَالِ الْجَمْعِيَّةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَعَمِّ أَيْضًا، فَتَسَاوَى الْجَمْعُ وَالْمُفْرَدُ فِي الْعُمُومِ، وَفَائِدَتُهُ التَّنْصِيصُ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ إرَادَةُ نَوْعٍ خَاصٍّ، وَكَذَا يُقَالُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْعُقَلَاءِ، وَفِي النُّكَتِ السُّيُوطِيَّةِ وَعَالَمُونَ الصَّوَابُ أَنَّهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَأَنَّهُ جَمْعٌ لَا اسْمُ جَمْعٍ، فَإِنَّهُ مُرَادٌ بِهِ الْعُمُومُ لِلْعُقَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَمُفْرَدُهُ وَإِنْ كَانَ اسْمَ جِنْسٍ فِيهِ مَعْنَى الْوَصْفِ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ صَانِعِهِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ اخْتَلَفُوا) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ جَمْعٌ حَقِيقَةً ق ل.

قَوْلُهُ: (فَقَطْ) فَتَسَاوَى الْجَمْعُ وَالْمُفْرَدُ فِي الْخُصُوصِ وَعِبَارَةُ الشَّبْرَخِيتِيِّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَلَمِ فَيَخْتَصُّ بِذَوِيهِ، أَوْ الْعَلَامَةِ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى مُوجِدِهِ. وَأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْعَالَمِينَ فَقَالَ قَتَادَةَ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: هُمْ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: هُمْ عِبَارَةٌ عَمَّا يَعْقِلُ وَهُمْ أَرْبَعُ أُمَمٍ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالْمَلَائِكَةُ وَالشَّيَاطِينُ، وَلَا يُقَالُ لِلْبَهَائِمِ عَالَمٌ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُمْ ثَمَانُونَ أَلْفَ عَالَمٍ نِصْفُهَا فِي الْبَرِّ وَنِصْفُهَا فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ عَالَمًا حُفَاةً عُرَاةً لَا يَعْرِفُونَ خَالِقَهُمْ وَسِتُّونَ عَالَمًا يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَلْفُ عَالَمٍ سِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ.

وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: لِلَّهِ عِشْرُونَ أَلْفَ عَالَمٍ الدُّنْيَا عَالَمٌ مِنْهَا وَمَا الْعُمْرَانُ فِي الْخَرَابِ إلَّا كَفُسْطَاطٍ ضُرِبَ فِي الصَّحْرَاءِ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَرْبَعِينَ أَلْفَ عَالَمٍ، الدُّنْيَا مِنْ شَرْقِهَا إلَى غَرْبِهَا عَالَمٌ وَاحِدٌ، وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ أُبَيٍّ أَنَّهُ قَالَ: الْعَالَمِينَ هُمْ الْمَلَائِكَةُ وَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ مَلِكٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةِ مَلَكٍ بِالْمَغْرِبِ وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةِ مَلَكٍ بِالْمَشْرِقِ وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ بِالْكَنَفِ الثَّالِثِ مِنْ الدُّنْيَا، وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ بِالْكَنَفِ الرَّابِعِ مِنْ الدُّنْيَا مَعَ كُلِّ مَلَكٍ مِنْ الْأَعْوَانِ مَا لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْ وَرَائِهِمْ أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَالرُّخَامِ عَرْضُهَا مَسِيرَةُ الشَّمْسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا طُولُهَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى مَمْلُوءَةٌ مَلَائِكَةً يُقَالُ لَهُمْ الرُّوحَانِيُّونَ لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ، لَوْ كُشِفَ عَنْ صَوْتِ أَحَدِهِمْ لَهَلَكَ أَهْلُ الْأَرْضِ مِنْ هَوْلِ صَوْتِهِ مُنْتَهَاهُمْ إلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ.

وَقَالَ مُعَاذٌ: هُمْ بَنُو آدَمَ فَقَطْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ. وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: لَا يُحْصِي عَدَدَ الْعَالَمِينَ أَحَدٌ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ} [المدثر: ٣١]

<<  <  ج: ص:  >  >>