للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَوْلِهِ: (وَصَلَّى اللَّهُ) وَسَلَّمَ (عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: ٤] أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

اهـ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَرَنَ إلَخْ) الْمُرَادُ بِمُقَارَنَةِ لَفْظٍ لِلَفْظٍ كَوْنُهُ عَقِبَهُ لَا لِاتِّحَادٍ فِي الزَّمَنِ. قَوْلُهُ: (الثَّنَاءَ عَلَى نَبِيِّهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَوْجَرِيِّ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قِسْمِ الثَّنَاءِ لَا مِنْ قِسْمِ الدُّعَاءِ. وَأَمَّا شَيْخُ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّهُ جَرَى عَلَى أَنَّهُ مِنْ قِسْمِ الدُّعَاءِ فِي الْقُنُوتِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَمِنْهُ أَيْ الدُّعَاءِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهَا ثَنَاءً وَدُعَاءً، إذْ الثَّنَاءُ هُوَ الذِّكْرُ بِخَيْرٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا كَذَلِكَ. وَعِبَارَةُ ح ل ثُمَّ عَمِلَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ» أَيْ مَنْ كَتَبَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ فِي كِتَابٍ وَتَلَفَّظَ بِهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ كَتَبَ شَيْئًا تَلَفَّظَ بِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَذَا، وَالْحَاصِلُ مِنْهُ الْكِتَابَةُ.

قَوْلُهُ: (وَصَلَّى اللَّهُ إلَخْ) آثَرَ الْجُمْلَةَ الْفِعْلِيَّةَ هُنَا الدَّالَّةَ عَلَى التَّجَدُّدِ لِحُدُوثِ الْمَسْئُولِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَأَتَى بِالْفِعْلِ مَاضِيًا رَجَاءَ تَحْقِيقِ حُصُولِ الْمَسْئُولِ بِخِلَافِ جُمْلَةِ الْحَمْدِ حَيْثُ آثَرَ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ لِمُنَاسَبَةِ الصِّفَاتِ الْمُسْتَمِرَّةِ الثَّابِتَةِ، وَالْقَصْدُ بِالصَّلَاةِ الدُّعَاءُ لِأَنَّ الْكَامِلَ يَقْبَلُ زِيَادَةَ التَّرَقِّي فِي غَايَاتِ الْكَمَالِ، فَانْدَفَعَ زَعْمُ جَمْعٍ امْتِنَاعَ الدُّعَاءِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَ نَحْوِ خَتْمِ الْقُرْآنِ بِاَللَّهُمِ اجْعَلْ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَعْمَالِ أُمَّتِهِ يَتَضَاعَفُ لَهُ نَظِيرُهَا لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِيهَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً لَا تُحْصَى زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ ش م ر. وَأَتَى بِعَلَى لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنْزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ رَحْمَةً تَلِيقُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الْعَطْفِ وَعَطَفَ الصَّلَاةَ عَلَى الْحَمْدِ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ اهـ اج.

وَجُمْلَةُ الصَّلَاةِ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى، وَأَتَى بِالْمَاضِي لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَشْبِيهِ الصَّلَاةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ بِالصَّلَاةِ الْمَاضِيَةِ فِي تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ، ثُمَّ اُشْتُقَّ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَاضِيَةِ صَلَّى بِمَعْنَى يُصَلِّي فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ م د.

وَقَالَ سم: تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَنْسَبُ الْإِتْيَانَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِيَحْصُلَ التَّنَاسُبُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ وَلَعَلَّهُ اخْتَارَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَا زِيَادَةُ التَّجَدُّدِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ فِي صَدْرِ الْكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ حَدَثَ فِي زَمَنِ وِلَايَةِ بَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ مَضَى الْعَمَلُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَخْتِمُ بِهِمَا الْكُتُبَ أَيْضًا، وَفِي حَوَاشِي التَّلْخِيصِ حِكْمَةُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَبَادِي الْكُتُبِ وَالْحَاجَاتِ أَنَّ الْفَاعِلَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ بِجَانِبِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيَسْأَلَهُ إفَاضَةَ طِلْبَتِهِ وَإِنْجَاحَ بُغْيَتِهِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ نَوْعِ مُلَاءَمَةٍ وَقُرْبٍ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ مِنْهُ، وَهَذِهِ الْمُلَاءَمَةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي حَقِّنَا لِكَوْنِنَا مُتَدَنِّسِينَ بِأَدْنَاسِ اللَّذَّاتِ الْحِسِّيَّةِ وَالشَّهَوَاتِ الْجِسْمِيَّةِ وَذَاتُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ فِي غَايَةِ التَّقَدُّسِ وَالتَّطَهُّرِ، فَاحْتَجْنَا إلَى وَاسِطَةٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مُتَجَرِّدَةٍ عَنْ تِلْكَ الْأَدْنَاسِ، وَتِلْكَ الْوَاسِطَةُ هُوَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ لَا بُدَّ لِتِلْكَ الْوَاسِطَةِ مِنْ هَدِيَّةٍ إلَيْهِ وَهَدِيَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّائِقَةُ بِهِ طَلَبُنَا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ اهـ.

وَعِبَارَةُ السَّمْهُودِيِّ عَقِبَ الْحَمْدِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُكْرًا لِمَا أَوْلَاهُ مِنْ إنْعَامِهِ الْجَسِيمِ، لِأَنَّهُ الْآتِي بِأَحْكَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ الْحَكِيمِ الْمُضَمَّنَةِ لِهَذَا الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَيْسَتْ صَلَاتُنَا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَفَاعَةٍ لَهُ، إذْ مِثْلُنَا لَا يَشْفَعُ لِمِثْلِهِ بَلْ صَلَاتُنَا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُكْرٌ لَهُ عَلَى مَا أَوْلَانَا بِإِرْشَادِهِ، فَقَدْ أَسْدَى إلَيْنَا أَفْضَلَ الرَّغَائِبِ وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَسْدَى إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا فَادْعُوا لَهُ» . فَدُعَاؤُنَا لَهُ بِالصَّلَاةِ الْمَشْرُوعَةِ مُكَافَأَةٌ لِلْعَجْزِ عَنْ الْمُكَافَأَةِ بِغَيْرِهِ، وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ الْمَقْصُودُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَقَضَاءِ حَقِّ النَّبِيِّ عَلَيْنَا.

قَالَ شَيْخُنَا الْمَلَوِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى السُّلَّمِ: وَمِنْ فَضَائِلِهَا مَا جُرِّبَ مِنْ تَأْثِيرِهَا وَالنَّفْعِ بِهَا فِي التَّنْوِيرِ وَرَفْعِ الْهِمَّةِ حَتَّى قِيلَ: إنَّهَا تَكْفِي عَنْ الشَّيْخِ فِي الطَّرِيقِ وَتَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ صُغْرَى الصُّغْرَى، وَسَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ

وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الْيَمَنِيُّ فِي جَوَابٍ لَهُ، لَكِنِّي سَمِعْت مِنْ الشَّيْخِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهُ فِي مُجَرَّدِ التَّنْوِيرِ، أَمَّا الْوُصُولُ إلَى دَرَجَةِ الْوِلَايَةِ فَلَا بُدَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>