للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَمَ فِيهَا أَوْ فِيهَا دَمٌ لَا يَسِيلُ لِصِغَرِهَا، فَلَهَا حُكْمُ مَا يَسِيلُ دَمُهَا، فَإِنْ غَيَّرَتْهُ الْمَيْتَةُ لِكَثْرَتِهَا أَوْ طُرِحَتْ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهَا قَصْدًا تَنَجَّسَ جَزْمًا، كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرَيْنِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِمَا بَعْدَ مَوْتِهَا قَصْدًا أَنَّهُ لَوْ طَرَحَهَا شَخْصٌ بِلَا قَصْدٍ أَوْ قَصَدَ طَرْحَهَا عَلَى مَكَان آخَرَ، فَوَقَعَتْ فِي الْمَائِعِ أَوْ طَرَحَهَا مَنْ لَا يُمَيِّزُ أَوْ قَصَدَ طَرْحَهَا فِيهِ فَوَقَعَتْ فِيهِ، وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَاتَتْ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ " وَمَاتَتْ فِيهِ "، فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا طُرِحَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ فَيُفَصَّلُ فِيهَا بَيْنَ أَنْ تَقَعَ بِنَفْسِهَا أَوْ لَا.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ جَمَادٌ وَحَيَوَانٌ، فَالْجَمَادُ كُلُّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ أَوْ يَكْمُلُ بِالطَّهَارَةِ إلَّا مَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَهُوَ الْمُسْكِرُ الْمَائِعُ، وَكَذَا الْحَيَوَانُ كُلُّهُ طَاهِرٌ لِمَا مَرَّ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ أَيْضًا، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:

ــ

[حاشية البجيرمي]

نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ وَهُوَ حَيٌّ، وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا وَقَعَ وَهُوَ مَيِّتٌ. قَوْلُهُ: (يَتَّقِي) أَيْ يَسْتَعِينُ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ غَيَّرَتْهُ) هُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ مَوْتِهَا قَصْدًا) كَانَ الْمُنَاسِبُ حَذْفَ قَوْلِهِ قَصْدًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ وَأَخَذَ مُحْتَرَزَهُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ، وَمَا ذَكَرَهُ فِيهَا مِنْ عَدَمِ التَّنْجِيسِ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ التَّنْجِيسُ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ حَيَّةٌ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَهُوَ قَيْدٌ فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ كَذَلِكَ) ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَمُعْتَمَدٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَخِيرَةِ. قَالَ سم: لَوْ طَرَحَهَا طَارِحٌ حَيَّةً فَمَاتَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا الْمَائِعَ أَوْ مَيِّتَةً فَحَيِيَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا لَمْ يَضُرَّ فِي الْحَالَيْنِ أَفَادَهُ الطَّبَلَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ) أَيْ الْمَتْنِ. . . إلَخْ هَذَا كَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ أَوْ قَصَدَ طَرْحَهَا فِيهِ. . . إلَخْ فَهُوَ غَايَةٌ لَهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ التَّفْصِيلُ أَيْ: فَهَذَا التَّفْصِيلُ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الضَّرَرِ فَقَصَدَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ. . . إلَخْ. الِاعْتِرَاضَ عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي فِيهَا وَمَاتَتْ فِيهِ وَالتَّقْوِيَةَ لِلْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: الْحُكْمُ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ عَدَمِ الضَّرَرِ وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْمَتْنِ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ يَقْتَضِي الضَّرَرَ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ وَقَعَ أَنَّهَا إذَا طُرِحَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ وَمَاتَتْ فِيهِ أَنَّهَا تُنَجِّسُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا طُرِحَتْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَقَعَتْ؛ لِأَنَّ الطَّرْحَ يَكُونُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ فَلَا يُفَصِّلُ فِيهَا حِينَئِذٍ بَيْنَ أَنْ تَقَعَ بِنَفْسِهَا أَوْ لَا شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (فَيُفَصَّلُ. . . إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى التَّفْصِيلُ، فَلَوْ قَالَ: وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ وَقَعَ أَنَّهُ لَوْ طَرَحَهَا طَارِحٌ ضَرَّ. . . إلَخْ. لَكَانَ أَوْلَى هَذَا مُرَادُ الشَّارِحِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي اقْتَضَتْهُ النُّسْخَةُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ حَيَّةً فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقَعَ بِنَفْسِهَا أَوْ بِطَرْحِ طَارِحٍ، فَلَا يَتِمُّ لِلشَّارِحِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ إلَّا بِهَذَا التَّقْرِيرِ، وَأَمَّا إذَا جَعَلْنَا الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَيُفَصَّلُ فِيهَا أَيْ: فِي مَفْهُومِ الْحَيَّةِ وَهِيَ الْمَيْتَةُ، وَيُقَالُ إنْ طُرِحَتْ الْمَيْتَةُ ضَرَّ وَإِنْ وَقَعَتْ بِنَفْسِهَا لَمْ يَضُرَّ فَلَا يَتِمُّ لِلشَّارِحِ مَقْصُودُهُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى تِلْكَ النُّسْخَةِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ لَا) أَيْ مَعَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهَا إذَا طُرِحَتْ حَيَّةً لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا إلَّا إنْ غَيَّرَتْ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ غَالِبَ مَا ذَكَرَ هُنَا مُكَرَّرٌ فَلَا تَغْفُلْ اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (جَمَادٌ وَحَيَوَانٌ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَغَيْرَهُمَا كَفَضَلَاتِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّ الْجَمَادَ مَا لَيْسَ حَيَوَانًا وَلَا أَصْلَ حَيَوَانٍ وَلَا خَرَجَ مِنْ حَيَوَانٍ ثُمَّ يَقُولَ أَمَّا فَضَلَاتُ الْحَيَوَانِ فَإِنْ اسْتَحَالَتْ إلَى فَسَادٍ فَنَجِسَةٌ وَإِلَّا فَطَاهِرَةٌ م د وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْجَمَادِ مَا لَا رُوحَ فِيهِ فَدَخَلَتْ الْفَضَلَاتُ لَكِنَّهُ يَشْمَلُ الْمَيِّتَ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ جَمَادٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهِ مَا خَلَا عَنْ الرُّوحِ أَصْلًا وَلَوْ فِي الْمَاضِي اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ) أَيْ كَالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْبِنَاءِ مَثَلًا.

قَوْلُهُ: (بِالطَّهَارَةِ) فِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أَيْ بِذِي الطَّهَارَةِ وَهُوَ الطَّاهِرُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالطَّاهِرِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُسْكِرُ الْمَائِعُ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْقَلْيُوبِيُّ: لَوْ سَكَتَ عَنْ لَفْظِ مَائِعٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَا الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ نَجِسٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>