للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَالْحَيَوَانُ كُلُّهُ طَاهِرٌ) أَيْ طَاهِرُ الْعَيْنِ حَالَ حَيَاتِهِ (إلَّا الْكَلْبَ) وَلَوْ مُعَلَّمًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ إمَّا لِحَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ أَوْ تَكْرُمَةٍ وَلَا حَدَثَ عَلَى الْإِنَاءِ، وَلَا تَكْرُمَةً، فَتَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ الْخَبَثِ فَثَبَتَتْ نَجَاسَةُ فَمِهِ وَهُوَ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ، بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْحَيَوَانَاتِ نَكْهَةً لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ فَبَقِيَّتُهَا أَوْلَى. (وَالْخِنْزِيرَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَنَى بِحَالٍ، وَنُقِضَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِالْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: لَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ، لَكِنْ ادَّعَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَجَاسَتِهِ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

سَوَاءٌ كَانَ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا اهـ. وَفِيهِ أَنَّ عِبَارَتَهُ أَيْ عِبَارَةَ الْقَلْيُوبِيِّ تَشْمَلُ الْحَشِيشَةَ وَالْكَشْكَ مَعَ أَنَّهُمَا طَاهِرَانِ، فَالْأَوْلَى عِبَارَةُ الشَّارِحِ وَلَا يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ مَائِعُ الْخَمْرَةِ الْجَامِدَةِ نَظَرًا لِأَصْلِهَا كَمَا فِي عِبَارَةِ اج. وَنَصِّهَا، قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُسْكِرُ الْمَائِعُ أَيْ أَصَالَةً فَلَا تَرِدُ الْخَمْرَةُ الْمُنْعَقِدَةُ، وَأَرَادَ بِالْمُسْكِرِ هُنَا الْمُغَطِّيَ لِلْعَقْلِ لَا ذَا الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ، فَاحْتَاجَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَائِعِ، وَعِبَارَةُ ز ي قَوْلُهُ: وَلَا تَرِدُ الْخَمْرَةُ الْمُنْعَقِدَةُ فَإِنَّهَا جَامِدَةٌ وَهِيَ نَجِسَةٌ، وَالْحَشِيشَةُ الْمُذَابَةُ فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَةَ الْمُنْعَقِدَةَ مَائِعَةٌ فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْحَشِيشَةِ الْمُذَابَةِ أَيْ: فَإِنَّهَا جَامِدَةٌ فِي الْأَصْلِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ أَيْ: إنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ اهـ.

وَقَدْ سُئِلَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْكَشْكِ هَلْ هُوَ نَجِسٌ إذَا أَسْكَرَ كَالْبُوظَةِ، وَهَلْ يَكُونُ جَفَافُهُ كَالتَّخَلُّلِ فِي الْخَمْرِ فَيَطْهُرُ أَوْ يَكُونُ كَالْخَمْرَةِ الْمُنْعَقِدَةِ فَلَا يَطْهُرُ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ، فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ كَوْنُهُ مُسْكِرًا لَكَانَ طَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَائِعٍ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْبُوظَةَ نَجِسَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ إذْ لَوْ نَظَرَ إلَى جُمُودِهَا قَبْلَ إسْكَارِهَا لَوَرَدَ عَلَى ذَلِكَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْجَامِدَاتِ، فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ حَالَ إسْكَارِهَا مَعَ أَنَّ أَصْلَهَا جَامِدٌ، وَهَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ. وَفِي ح ل مَا نَصُّهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ نَجِسٌ سَوَاءٌ كَانَ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا، فَالْكَشْكُ الْجَامِدُ لَوْ صَارَ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ كَانَ نَجِسًا، وَقَدْ يُقَالُ مَا فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ وَهُوَ جَامِدٌ إنْ كَانَ مُسْكِرًا قَبْلَ جُمُودِهِ كَانَ نَجِسًا كَالْخَمْرَةِ الْمُنْعَقِدَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ طَاهِرٌ كَالْكَشْكِ، وَمَا لَا شِدَّةَ فِيهِ غَيْرُ نَجِسٍ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا فَإِسْقَاطُ مَائِعٍ مُتَعَيَّنٌ إنْ أُرِيدَ بِالْمُسْكِرِ مَا فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ لَا الْمُغَطِّي لِلْعَقْلِ اهـ.

قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ.

قَوْلُهُ: (إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ) أَيْ حَقِيقَةً كَالْكَلْبِ أَوْ حُكْمًا كَالْخِنْزِيرِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِهِ الشَّارِعُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ مَقِيسٌ عَلَى الْكَلْبِ.

قَوْلُهُ: (كُلُّهُ طَاهِرٌ) لَفْظُ كُلٍّ ذُكِرَ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ؛ إذْ الْأَلْفُ وَاللَّامُ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ.

قَوْلُهُ: (إلَّا الْكَلْبَ) . فَائِدَةٌ: نَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ كُلَّ الْكِلَابِ نَجِسَةٌ إلَّا كَلْبَ أَهْلِ الْكَهْفِ ثُمَّ تَوَقَّفَ فِي مَعْنَى طَهَارَتِهِ هَلْ أَوْجَدَهُ اللَّهُ طَاهِرًا أَوْ سَلَبَهُ أَوْصَافَ النَّجَاسَةِ اهـ. رَحْمَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُعَلَّمًا) رَدٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِطَهَارَتِهِ اط ف. وَقَدْ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: مَا الْحِكْمَةُ فِي تَنْجِيسِ الْكَلْبِ؟ فَأَجَابَ: الْحِكْمَةُ فِي تَنْجِيسِ الْكَلْبِ التَّنْفِيرُ مِمَّا كَانَ يَعْتَادُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْقَبَائِحِ كَمُؤَاكَلَةِ الْكِلَابِ وَزِيَادَةِ إلْفِهَا وَمُخَالَطَتِهَا مَعَ مَا فِيهَا مِنْ الدَّنَاءَةِ وَالْخِسَّةِ الْمَانِعَةِ لِذَوِي الْمُرُوآت وَأَرْبَابِ الْعُقُولِ مِنْ مُعَاشَرَةِ وَمُخَالَطَةِ مَنْ خَالَطَهَا. قَوْلُهُ: (طَهُورُ) أَيْ تَطْهِيرُهُ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: أَنْ يَغْسِلَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: طَهُورٌ الْأَفْصَحُ فِيهِ ضَمُّ الطَّاءِ، وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا لُغَتَانِ اهـ اط ف عَلَى الْمَنْهَجِ. وَمِثْلُهُ فِي ع ش، لَكِنْ عَلَى الْفَتْحِ يُؤَوَّلُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ مُطَهِّرُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إذَا وَلَغَ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَلَغَ الْكَلْبُ وَغَيْرُهُ يَلَغُ وَلْغًا مِنْ بَابِ وَقَعَ وَوُلُوغًا شَرِبَ بِلِسَانِهِ فَالْوُلُوغُ تَنَاوُلُ الْمَائِعِ بِاللِّسَانِ.

قَوْلُهُ: (وَجْهُ الدَّلَالَةِ إلَخْ) هَذِهِ الطَّرِيقَةُ فِي الِاسْتِدْلَالِ يُقَالُ لَهَا طَرِيقَةُ السَّبْرِ وَهِيَ أَنْ يَحْصُرَ الْعِلَلَ وَيُبْطِلَ مِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ وَهُوَ هُنَا الْحَدَثُ وَالتَّكْرِمَةُ، وَيَتَعَيَّنُ مَا يَصْلُحُ كَمَا قَالُوا فِي عِلَّةِ الرِّبَا لَا جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْقُوتَ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ التُّفَّاحُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقْتَاتٍ بَلْ لِلتَّفَكُّهِ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْكَيْلَ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْبِرْسِيمُ فَإِنَّهُ مَكِيلٌ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ رِبَوِيٍّ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ هِيَ الطَّعْمَ.

قَوْلُهُ: (طَهَارَةُ الْخَبَثِ) أَيْ الطَّهَارَةُ لِلْخَبَثِ فَيَكُونُ هُوَ الْعِلَّةَ فَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ تَكْرُمَةٍ) كَغُسْلِ الْمَيِّتِ.

قَوْلُهُ: (أَطْيَبُ الْحَيَوَانَاتِ) أَيْ غَيْرَ الْآدَمِيِّ نَكْهَةً أَيْ رَائِحَةَ الْفَمِ لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ أَيْ: يُخْرِجُ لِسَانَهُ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهَا) أَيْ مِنْ كُلِّ مَا لَا يُقْتَنَى مِنْ الْحَيَوَانَاتِ كَالنِّمْسِ وَنَحْوِهِ فَخَرَجَ

<<  <  ج: ص:  >  >>