للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعُورِضَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَيُرَدُّ النَّقْضُ بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِحَمْلِ شَيْءٍ عَلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَشَرَاتُ فِيهِمَا. (وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ جِنْسِ كُلٍّ مِنْهُمَا (أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا) مَعَ الْآخَرِ، أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ، وَلَوْ آدَمِيًّا كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ ذِئْبٍ وَكَلْبَةٍ تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ لِتَوَلُّدِهِ مِنْهَا،

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْهِرَّةُ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ إلَخْ) وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: ١٤٥] فَالضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلَّحْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَجَاسَتِهِ نَجَاسَتُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَيُرَدُّ النَّقْضُ) أَيْ نَقْضُ التَّعْلِيلِ بِالْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا كَالسِّبَاعِ، وَمُحَصِّلُهُ أَنَّا نَزِيدُ فِي التَّعْلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُقْتَنَى أَيْ مَعَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ مَعَ تَأَتِّي الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَشَرَاتُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْدَبُ قَتْلُ الْمُؤْذِي مِنْهَا، وَلَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا.

قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ) أَيْ مَدْعُوٌّ إلَخْ. يَعْنِي أَنَّ هَذَا جُزْءٌ مِنْ الْعِلَّةِ فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ. وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ بَلْ يَجِبُ قَتْلُهُ إنْ كَانَ عَقُورًا، وَإِلَّا جَازَ اهـ. قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْكَلْبِ الَّذِي لَا نَفْعَ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وُجُوبَ قَتْلِهِ مُطْلَقًا. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ مُطْلَقًا اهـ. وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِاسْتِحْبَابِ قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَمَا ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْعُبَابِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ وُجُوبُ قَتْلِهِ مَمْنُوعٌ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقٌ لِدَفْعِ نَحْوِ عَقُورٍ صَالٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (بِلَا ضَرَرٍ فِيهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ أَيْ بِخِلَافِ الْحَشَرَاتِ فَلَا يُنْدَبُ قَتْلُهَا، إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا ضَرَرٌ كَالْحَيَّةِ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ق ل. بِقَوْلِهِ قَوْلُهُ، وَيُرَدُّ النَّقْضُ إلَخْ. فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ فِي الْحَشَرَاتِ مَا يُنْدَبُ قَتْلُهُ، وَعَدَمُ الْحَمْلِ عَلَيْهَا لِضَعْفِهَا فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ) أَيْ: وَلَمْ يُجَوِّزُوهُ فَعَدَمُ تَجْوِيزِهِ مَعَ إمْكَانِهِ بِحَمْلِ شَيْءٍ عَلَى ظَهْرِهِ مَعَ تَحْرِيمِ اقْتِنَائِهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ ابْنِ حَجَرٍ أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (أَيْ مِنْ جِنْسِ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُتَوَلِّدِ مِنْهُمَا الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ كَلْبٍ وَخِنْزِيرَةٍ، أَوْ عَكْسَهُ، بَلْ بَيْنَ كَلْبٍ وَكَلْبَةٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَخِنْزِيرَةٍ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ السَّابِقَةَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ مَعَ الْآخَرِ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ: وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا عَلَى هَذَا مَعَ دُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ شُمُولُهُ لِمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا عَلَى غَيْرِ صُورَتِهِمَا، بِأَنْ كَانَ عَلَى صُورَةِ شَاةٍ أَوْ ظَبْيٍ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ، قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ جِنْسِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَائِدَتُهُ بَيَانُ مَا يَنْشَأُ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّدْ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ كَأَنْ أَلْقَتْ الْكَلْبَةُ حَيَوَانًا بِلَا إنْزَاءٍ عَلَيْهَا، وَقُدْرَةُ اللَّهِ صَالِحَةٌ كَمَا يَقَعُ أَنَّ الْفَرْخَةَ تَبِيضُ مِنْ غَيْرِ دِيكٍ، وَبِهَذَا سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّارِحِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ آدَمِيًّا) لَكِنَّ مَحَلَّهُ أَيْ مَحَلَّ كَوْنِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ نَجِسًا إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ أَصْلَيْهِ آدَمِيًّا، أَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَصْلَيْهِ آدَمِيًّا وَكَانَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ وَلَوْ فِي نِصْفِهِ الْأَعْلَى فَقَطْ، فَقَالَ شَيْخُنَا م ر: هُوَ طَاهِرٌ وَيُعْطَى أَحْكَامَ الْآدَمِيِّينَ مُطْلَقًا، وَقَاعِدَةُ يَتْبَعُ الْفَرْعُ أَخَسَّ أَصْلَيْهِ فِي النَّجَاسَةِ أَغْلَبِيَّةٌ وَالتَّمَسُّكُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ الْقَاعِدَةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ يُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرِ فِي الطَّهَارَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْوِلَايَاتِ وَغَيْرِهَا إلَّا فِي عَدَمِ حِلِّ ذَبِيحَتِهِ وَمُنَاكَحَتِهِ وَإِرْثِهِ وَقَتْلِ قَاتِلِهِ، وَمَنَعَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْوِلَايَاتِ أَيْضًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا أَنَّهُ يُعْطَى حُكْمَ النَّجِسِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا ق ل. وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ وَلَوْ آدَمِيًّا غَايَةٌ فِي الْغَيْرِ

وَصَرِيحُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ نَجِسٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَبِهِ قَالَ حَجّ. وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر أَنَّهُ طَاهِرٌ فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَيَمَسُّ النَّاسَ وَلَوْ رَطْبًا، وَيَؤُمُّهُمْ وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً؛ لِأَنَّ فِي أَحَدِ أَصْلَيْهِ مَا لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ وَلَوْ لِمِثْلِهِ وَيُقْتَلُ بِالْحُرِّ لَا عَكْسُهُ وَيَتَسَرَّى وَيُزَوِّجُ أَمَتَهُ لَا عَتِيقَتَهُ اهـ اج. وَزِيَادِيٌّ. وَلَوْ كَانَ أَحَدُ شِقَّيْهِ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ دُونَ الْآخَرِ، فَقَدْ اسْتَظْهَرَ ع ش أَنَّهُ طَاهِرُ الْعَيْنِ تَغْلِيبًا لِصُورَةِ الْآدَمِيِّ، وَالْآدَمِيُّ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ كَلْبَيْنِ نَجِسٌ، وَالْكَلْبُ بَيْنَ آدَمِيِّينَ طَاهِرٌ، وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ الصُّورَةِ فِي نَجَاسَةٍ أَوْ طَهَارَةٍ. وَفِي رِسَالَةِ الْبِرْمَاوِيِّ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ آدَمِيِّينَ عَلَى صُورَةِ نَحْوِ الْكَلْبِ فَطَاهِرٌ اتِّفَاقًا، وَإِذَا كَانَ يَنْطِقُ وَيَعْقِلُ فَهَلْ يُكَلَّفُ أَمْ لَا؟ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يُكَلَّفُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ مَنَاطُهُ أَيْ مُتَعَلِّقُهُ الْعَقْلُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِ، وَأَمَّا مَيْتَتُهُ فَطَاهِرَةٌ، وَأَمَّا مُتَوَلَّدٌ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>