كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، وَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أُحِبُّ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَرْءُ بَيْنَ يَدَيْ خِطْبَتِهِ أَيْ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَكُلِّ أَمْرٍ طَلَبَهُ غَيْرِهَا حَمْدَ اللَّهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِفْرَادُ الصَّلَاةِ عَنْ السَّلَامِ مَكْرُوهٌ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ وَكَذَا عَكْسُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَتَى بِهَا لَفْظًا وَأَسْقَطَهَا خَطًّا وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى رَحْمَةٌ مَقْرُونَةٌ بِتَعْظِيمٍ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ وَمِنْ الْآدَمِيِّينَ أَيْ وَمِنْ الْجِنِّ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ أَنَّهُمَا مُقْتَرِنَانِ، وَلِأَنَّ النُّبُوَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الرِّسَالَةِ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. اهـ. مَدَابِغِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي) هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعَى، وَهُوَ خُصُوصُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذِكْرَهُ مَعَهُ يَصْدُقُ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ اهـ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (مَكْرُوهٌ) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَاءَتْ الصَّلَاةُ غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِالتَّسْلِيمِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ السَّلَامَ تَقَدَّمَ قَبْلَهُ فِي قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ ش م ر. قُلْت: لَا حَاجَةَ لِلْجَوَابِ الْمَذْكُورِ إذْ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ فِي غَيْرِ الْوَارِدِ مِنْ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا عَنْ الْآخَرِ كَمَا هُنَا، أَمَّا هُوَ فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ. وَالْحَاصِلُ، أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يَكُونَ الْإِفْرَادُ مِنَّا، وَأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ فِيهِ الْإِفْرَادُ، وَأَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ دَاخِلِ الْحُجْرَةِ، فَإِنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى السَّلَامِ فَلَا كَرَاهَةَ.
وَفِي الشَّبْرَخِيتِيِّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مَا نَصُّهُ: تَتِمَّةٌ فِي مَنْعِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ اسْتِقْلَالًا وَكَرَاهَتِهَا وَكَوْنُهَا خِلَافَ الْأَوْلَى خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ الْكَرَاهَةُ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَأَمَّا تَبَعًا كَمَا هُنَا فَجَائِزَةٌ اتِّفَاقًا اهـ. قَوْلُهُ: (أَتَى بِهَا) أَيْ بِصِيغَةِ السَّلَامِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِهِ. وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي أَسْقَطَهَا.
قَوْلُهُ: (وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ) هَذَا وَجْهٌ وَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا إذَا أَتَى بِهِمَا مَعًا لَفْظًا وَخَطًّا لِمَنْ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْخَطِّ فَصُوَرُ الْإِفْرَادِ الْمَكْرُوهِ خَمْسٌ: أَنْ يَتَلَفَّظَ بِإِحْدَاهُمَا فَقَطْ، أَوْ يَكْتُبَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ، أَوْ يَتَلَفَّظَ بِإِحْدَاهُمَا وَيَكْتُبَ الْأُخْرَى، أَوْ يَتَلَفَّظَ بِهِمَا مَعًا وَيَكْتُبَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ خِلَافًا لِمَا صَنَعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى رَأْيِ الشَّارِحِ، لِأَنَّ الشَّارِحَ زَعَمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ وَجْهٌ أَوْ يَكْتُبَهُمَا مَعًا وَيَتَلَفَّظَ بِإِحْدَاهُمَا فَقَطْ، وَصُوَرُ الْقَرْنِ الْخَالِي عَنْ الْكَرَاهَةِ ثَلَاثٌ: أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ كِتَابَةٍ، أَوْ يَكْتُبَهُمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ، أَوْ يَتَلَفَّظَ بِهِمَا مَعًا وَيَكْتُبَهُمَا كَذَلِكَ اهـ. قَالَ م د: وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يَجْمَعْهُمَا كِتَابٌ أَوْ مَجْلِسٌ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، وَلْيَنْظُرْ مَا الدَّلِيلُ عَلَى كَرَاهَةِ الْإِفْرَادِ.
لَا يُقَالُ دَلِيلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا} [الأحزاب: ٥٦] . لِأَنَّا نَقُولُ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا عُرْفًا لِأَنَّ الْآيَةَ تَصْدُقُ بِتَرَاخِي أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُفِيدُ التَّعْقِيبَ.
قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةُ) هِيَ اسْمُ مَصْدَرٍ إذْ مَصْدَرُ صَلَّى التَّصْلِيَةُ كَزَكَّى تَزْكِيَةً لَكِنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ فِي الصَّلَاةِ بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ سُمِعَ فِي الْعَذَابِ قَالَ تَعَالَى {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة: ٩٤] قَوْلُهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى رَحْمَةٌ هَذَا مَعْنًى لُغَوِيٌّ بَلْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَشَرْعِيٌّ أَيْضًا ق ل وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ وَهِيَ أَيْ الصَّلَاةُ شَرْعًا مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ فَهِيَ تُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ عَلَى مَا ذُكِرَ قَالَ فِي الْمُغْنِي الصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّ الصَّلَاةَ لُغَةً بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْعَطْفُ وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ الرَّحْمَةُ وَإِلَى الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ وَإِلَى الْآدَمِيِّينَ دُعَاءُ الْبَعْضِ لِلْبَعْضِ فَهِيَ عَلَيْهِ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ فَالِاشْتِرَاكُ الْمَعْنَوِيُّ أَوْلَى لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ اللَّفْظِيَّ خِلَافُ الْأَصْلِ لِتَعَدُّدِ الْوَضْعِ فِيهِ وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْعَطْفَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ فَالْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَفْرَادٌ لِلْعَطْفِ.
قَوْلُهُ: (رَحْمَةٌ مَقْرُونَةٌ بِتَعْظِيمٍ) وَمِنْ ثَمَّ عُطِفَتْ الرَّحْمَةُ عَلَيْهَا عَطْفَ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ فِي الْآيَةِ وَهِيَ: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: ١٥٧] فَإِنْ أَرَدْنَا بِالرَّحْمَةِ الرَّحْمَةَ لِلْمُطْلَقَةِ كَانَ الْعَطْفُ لِلتَّفْسِيرِ.
تَنْبِيهٌ: يُكْرَهُ الدُّعَاءُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّحْمَةِ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ لِأَنَّهُ كَإِخْوَانِهِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ خُصُّوا بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ