للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: كُلَّ صَلَاةٍ وَاخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مِنْهَا. وَالثَّانِي: فِي الْعُمْرِ مَرَّةٌ. وَالثَّالِثُ: كُلَّمَا ذَكَرَ. وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَاللَّخْمِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَابْنُ بَطَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ. وَالرَّابِعُ: فِي كُلِّ مَجْلِسٍ. وَالْخَامِسُ: فِي أَوَّلِ كُلِّ دُعَاءٍ وَفِي وَسَطِهِ وَفِي آخِرِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَجْعَلُونِي كَقِدْحِ الرَّاكِبِ بَلْ اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ كُلِّ دُعَاءٍ وَفِي وَسَطِهِ وَفِي آخِرِهِ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ جَابِرٍ.

وَمُحَمَّدٌ عَلَمٌ عَلَى نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْمُضَعَّفِ سُمِّيَ بِهِ بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ يَكْثُرُ حَمْدُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالصَّحَابَةِ بِالتَّرَضِّي وَبَقِيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ بِالرَّحْمَةِ، وَاعْتَمَدَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّ صَلَاةَ الْبَشَرِ عَلَى النَّبِيِّ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَهِيَ مِنْ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الْمَلَائِكَةِ لِعَدَمِ وُجُودِ الصَّارِفِ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ الْبَشَرِ فَإِنَّهُمْ كُلِّفُوا بِهَا مَعَ مَشَقَّةِ وُجُودِ الْبَوَاعِثِ عَلَى الِانْقِطَاعِ عَنْهَا كَالنَّفْسِ وَإِبْلِيسَ وَالْهَوَى فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (اسْتِغْفَارٌ) السِّينُ وَالتَّاءُ لِلطَّلَبِ أَيْ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ مِنْ اللَّهِ لِلْعَبْدِ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِهَا أَوْ لَا كَالْعَفْوِ مَثَلًا.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْجِنِّ) وَكَذَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ، فَلَوْ قَالَ وَمِنْ غَيْرِهِمَا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ ق ل. قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَلَى الْهُدْهُدِيِّ وَالصَّلَاةُ مِنْ الطَّيْرِ وَالْهَوَامِّ التَّسْبِيحُ. قَالَ تَعَالَى: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: ٤١] وَقَوْلُهُ صَلَاتَهُ أَيْ الْآدَمِيِّ وَتَسْبِيحَهُ أَيْ الطَّيْرِ.

قَوْلُهُ: (تَضَرُّعٌ) أَيْ خُضُوعٌ وَذِلَّةٌ يُقَالُ تَضَرَّعَ لِلَّهِ ضَرَاعَةً أَيْ خَضَعَ وَذَلَّ وَعَطْفُ الدُّعَاءِ عَلَى التَّضَرُّعِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ التَّضَرُّعَ دُعَاءٌ بِخُضُوعٍ وَذِلَّةٍ وَالدُّعَاءُ أَعَمُّ خِلَافًا لِلْأُجْهُورِيِّ مِنْ أَنَّهُ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ.

قَوْلُهُ: (وَدُعَاءٌ) عَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ رَفْعُ الْحَاجَاتِ لِرَافِعِ الدَّرَجَاتِ.

قَوْلُهُ: (كُلَّمَا ذَكَرَ) لِحَدِيثِ: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» أَيْ لَصِقَ أَنْفُهُ بِالتُّرَابِ، وَهَلْ وَرَدَ أَنَّ الْحِجَارَةَ تُصَلِّي وَتُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَهَلْ وَرَدَ أَيْضًا أَنَّهَا إذَا سَمِعَتْ ذِكْرَهُ تُصَلِّي عَلَيْهِ ح ل؟ . قُلْت: رَأَيْت فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ أَنَّ الْأَحْجَارَ سَلَّمَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَرِدْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَحْجَارَ إذَا سَمِعَتْ الصَّلَاةَ تُصَلِّي عَلَيْهِ اج.

قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ مَجْلِسٍ) لِحَدِيثِ: «أَيُّمَا مَجْلِسٍ اجْتَمَعُوا فَقَامُوا وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَيَّ إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً وَنَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ أَنْتَنَ مِنْ جِيفَةٍ» . قَوْلُهُ: «لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ» أَيْ لَا تُؤَخِّرُونِي فِي الذِّكْرِ، لِأَنَّ قَدَحَ الرَّاكِبِ يُعَلَّقُ فِي آخِرِ رَحْلِهِ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ رِحَالِهِ وَيَجْعَلُهُ خَلْفَهُ. قَوْلُهُ: (وَفِي وَسَطِهِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ مُدْرَجَةٌ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي.

قَوْلُهُ: (الْمُضَعَّفِ) أَيْ الْفِعْلِ الْمُضَعَّفِ وَهُوَ مَا تَكَرَّرَ أَحَدُ أُصُولِهِ وَهُوَ عَيْنُهُ هُنَا، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْفِعْلِ الْغَيْرِ الْمُضَعَّفِ وَهُوَ مَحْمُودٌ تَقُولُ: كَسَرْت الْإِنَاءَ فَهُوَ مَكْسُورٌ فَإِذَا بَالَغْت فِي كَسْرِهِ وَصَيَّرْته شُقُوقًا قُلْت كَسَّرْته فَهُوَ مُكَسَّرٌ بِالتَّشْدِيدِ فِيهِمَا، وَمُحَمَّدٌ أَبْلَغُ مِنْ مَحْمُودٍ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى مَحْمُودًا لَا مُحَمَّدًا، لِأَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ وَلَمْ يَرِدْ مُحَمَّدٌ، وَأَيْضًا مَعْنَى مُحَمَّدٍ مَنْ يَحْدُثُ الْحَمْدُ لَهُ وَحَمْدُ اللَّهِ قَدِيمٌ اهـ م د.

قَوْلُهُ: (بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى) لَعَلَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ أُلْهِمَ التَّسْمِيَةَ بِمُحَمَّدٍ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ يَكْثُرُ حَمْدُ الْخَلْقِ لَهُ. فَلَا يُقَالُ تَعْلِيلُ التَّسْمِيَةِ بِالتَّفَاؤُلِ يُنَافِي كَوْنَهُ بِإِلْهَامٍ. لِأَنَّا نَقُولُ كَوْنُهُ تَفَاؤُلًا مِنْ جُمْلَةِ الْمُلْهَمِ، وَاعْتُرِضَ كَوْنُ جَدِّهِ سَمَّاهُ بِإِلْهَامٍ لَهُ بِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أُمَّهُ آمِنَةَ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ بِأَنْ تُسَمِّيَهُ بِذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ أُمَّهُ لَمْ تُخْبِرْ جَدَّهُ بِذَلِكَ كَمَا فِي ق ل. وَاخْتَلَفُوا هَلْ سَمَّتْهُ بِمُحَمَّدٍ أُمُّهُ أَوْ جَدُّهُ؟ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ التَّنُوخِيِّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ السَّابِعِ مِنْ وِلَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَنْهُ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَدَعَا قُرَيْشًا، فَلَمَّا أَكَلُوا قَالُوا: مَا سَمَّيْته؟ قَالَ: سَمَّيْته مُحَمَّدًا. قَالُوا. لَمْ رَغِبْت بِهِ عَنْ أَسْمَاءِ أَهْلِ بَيْتِك؟ قَالَ: أَرَدْت أَنْ يَحْمَدَهُ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ وَخَلْقُهُ فِي الْأَرْضِ، وَقِيلَ: إنَّمَا سَمَّاهُ مُحَمَّدًا لِرُؤْيَا رَآهَا زَعَمُوا أَنَّهُ رَأَى مَنَامًا كَأَنَّ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ خَرَجَتْ مِنْ ظَهْرِهِ وَلَهَا طَرَفٌ بِالسَّمَاءِ وَطَرَفٌ بِالْأَرْضِ وَطَرَفٌ بِالْمَشْرِقِ وَطَرَفٌ بِالْمَغْرِبِ، ثُمَّ عَادَتْ كَأَنَّهَا شَجَرَةٌ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْهَا نُورٌ، وَإِذَا أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ يَتَعَلَّقُونَ بِهَا فَقَصَّهَا فَعُبِّرَتْ بِتَخْفِيفِ الْبَاءِ وَتَشْدِيدِهَا أَيْ فُسِّرَتْ لَهُ بِمَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ صُلْبِهِ، يَتْبَعُهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ، وَيَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ، فَلِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>