الْخَلْقِ لَهُ لِكَثْرَةِ خِصَالِهِ الْحَمِيدَةِ، كَمَا رُوِيَ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ قِيلَ لِجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَدْ سَمَّاهُ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَهَا: لِمَ سَمَّيْت ابْنَك مُحَمَّدًا وَلَيْسَ فِي أَسْمَاءِ آبَائِك وَلَا قَوْمِك؟ قَالَ: رَجَوْت أَنْ يُحْمَدَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
سَمَّاهُ مُحَمَّدًا مَعَ مَا حَدَّثَتْهُ بِهِ أُمُّهُ مِنْ أَنَّهَا أَتَاهَا آتٍ وَهِيَ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ وَقَالَ لَهَا: إذَا وُضِعَ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا. قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ يَكْثُرُ) لَعَلَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِإِلْهَامٍ مِنْ تَعَلُّقِ السَّبَبِ بِالْمُسَبِّبِ. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ) وَقِيلَ فِي لَيْلَةِ وِلَادَتِهِ وَلَا تَعَارُضَ لِإِمْكَانِ وُقُوعِهَا سِرًّا لَيْلَةَ الْوِلَادَةِ وَإِظْهَارِهَا لِكَافَّةِ النَّاسِ يَوْمَ السَّابِعِ مَدَابِغِيٌّ عَلَى الْمَوْلِدِ.
قَوْلُهُ: (لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَهَا) وَكَانَ مَوْتُ وَالِدِهِ بَعْدَ حَمْلِهِ بِشَهْرَيْنِ، وَقِيلَ قَبْلَ وِلَادَتِهِ بِشَهْرَيْنِ، وَقِيلَ كَانَ فِي الْمَهْدِ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهُ وَهُوَ ابْنُ شَهْرَيْنِ، وَقِيلَ ابْنُ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرِينَ، وَقِيلَ ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَدُفِنَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ أَخْوَالِهِ بَنِي النَّجَّارِ. وَلَمَّا بَلَغَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَ سِنِينَ، وَقِيلَ خَمْسٌ وَقِيلَ سِتٌّ وَقِيلَ سَبْعٌ، وَقِيلَ تِسْعٌ، وَقِيلَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَشَهْرًا وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ، مَاتَتْ أُمُّهُ وَدُفِنَتْ بِالْأَبْوَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ بِالْحَجُونِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ مَقْبَرَةُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْأَبْوَاءُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَدِّ قَرْيَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَرِيبَةٌ مِنْ الْجُحْفَةِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ رَجَوْت) وَقِيلَ إنَّمَا سَمَّاهُ مُحَمَّدًا لِرُؤْيَا رَآهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمَدَابِغِيُّ فِي الْمَوْلِدِ، وَلَا مُعَارَضَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ رَجَوْت بِسَبَبِ هَذِهِ الرُّؤْيَا، بِأَنَّ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: (كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ) أَيْ لِسَبْقِ ذَلِكَ فِي عِلْمِهِ فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْكَافُ تَعْلِيلِيَّةٌ وَلَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ، لَكِنْ لَمَّا قَرُبَ زَمَنُهُ وَبَشَّرَ أَهْلُ الْكِتَابِ بِنَعْتِهِ سَمَّى قَوْمٌ أَوْلَادَهُمْ بِهِ رَجَاءَ النُّبُوَّةِ لَهُمْ وَ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤] . وَعِدَّةُ مَنْ سُمِّيَ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ قَبْلَ وِلَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهَذَا هُوَ اسْمُهُ فِي الْأَرْضِ وَاسْمُهُ الْمَشْهُورُ بِهِ فِي السَّمَاءِ أَحْمَدُ، وَلَمْ يَتَسَمَّ بِهِ أَيْ بِأَحْمَدَ أَحَدٌ قَبْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّامِيُّ فِي مِعْرَاجِهِ، وَيَنْبَغِي التَّسْمِيَةُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أُعَذِّبُ أَحَدًا سُمِّيَ بِاسْمِك بِالنَّارِ. وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إنِّي آلَيْت عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا يَدْخُلَ النَّارَ مَنْ اسْمُهُ أَحْمَدُ أَوْ مُحَمَّدٌ» .
وَذَكَرَ الْإِمَامُ ابْنُ الْحَاجِّ فِي كِتَابِهِ الْمَدْخَلِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: " إنَّ اللَّهَ لَيُوقِفُ الْعَبْدَ بَيْنَ يَدَيْهِ الَّذِي اسْمُهُ أَحْمَدُ أَوْ مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ يَا عَبْدِي أَمَا تَسْتَحِي أَنْ تَعْصِيَنِي وَاسْمُك عَلَى اسْمِ حَبِيبِي فَيُنَكِّسُ الْعَبْدُ رَأْسَهُ حَيَاءً، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي قَدْ فَعَلْت فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ خُذْ بِيَدِ عَبْدِي وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ فَإِنِّي أَسْتَحِي أَنْ أُعَذِّبَ بِالنَّارِ مَنْ اسْمُهُ اسْمُ حَبِيبِي ".
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّ آدَمَ وَجَدَ اسْمَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكْتُوبًا عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ وَفِي السَّمَوَاتِ وَعَلَى كُلِّ قَصْرٍ وَغُرْفَةٍ فِي الْجَنَّةِ وَعَلَى نُحُورِ الْحُورِ الْعِينِ وَعَلَى وَرَقِ شَجَرَةِ طُوبَى وَسِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَأَطْرَافِ الْحُجُبِ وَبَيْنَ أَعْيُنِ الْمَلَائِكَةِ.
وَرُوِيَ «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَرْشَ كَتَبَ عَلَيْهِ بِالنُّورِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَ آدَم مِنْ الْجَنَّةِ رَأَى عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ وَعَلَى كُلِّ مَوْضِعٍ فِي الْجَنَّةِ اسْمَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقْتَرِنًا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: يَا رَبِّ هَذَا مُحَمَّدٌ مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَدُك الَّذِي لَوْلَاهُ مَا خَلَقْتُك، فَقَالَ: يَا رَبِّ بِحُرْمَةِ هَذَا الْوَلَدِ ارْحَمْ الْوَالِدَ فَنُودِيَ: يَا آدَم لَوْ اسْتَشْفَعْت إلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ شَفَّعْنَاك» .
تَنْبِيهٌ: اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ اسْمِ مُحَمَّدٍ عِدَّةَ الرُّسُلِ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَقَالَ فِيهِ ثَلَاثُ مِيمَاتٍ، وَإِذَا بَسَطْت كُلًّا مِنْهَا فَقُلْت مِيمٌ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِحِسَابِ الْجُمَّلِ تِسْعِينَ فَيَحْصُلُ مِنْهَا مِائَتَانِ وَسَبْعُونَ، وَإِذَا بَسَطْت الْحَاءَ وَالدَّالَ فَقُلْت دَالٌ كَانَتْ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ وَحَاءٌ بِتِسْعَةٍ فَالْجُمْلَةُ مَا ذُكِرَ، فَفِي اسْمِهِ الْكَرِيمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ جَمِيعَ الْكِمَالَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْمُرْسَلِينَ مَوْجُودَةٌ فِيهِ، وَإِذَا قُلْت حَاءٌ فَزِدْت هَمْزَةً كَانَتْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ.
قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْبَسْمَلَةِ: وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيَّ بِاسْتِخْرَاجِ عَدَدِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ اسْمِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا كَعِدَّةِ أَصْحَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقْتَ وَفَاتِهِ، وَطَرِيقُهُ أَنْ تَضْرِبَ عَدَدَ حُرُوفِهِ بِالْجَمَّلِ الصَّغِيرِ وَهُوَ عِشْرُونَ فِي نَفْسِهَا يَكُونُ الْخَارِجُ أَرْبَعَمِائَةٍ تَضْرِبُهَا فِي