فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ» أَيْ الْتَزِمِي الْحَيْضَ وَأَحْكَامَهُ فِيمَا أَعْلَمَكِ اللَّهُ مِنْ عَادَةِ النِّسَاءِ مِنْ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ، وَالْمُرَادُ غَالِبُهُنَّ لِاسْتِحَالَةِ اتِّفَاقِ الْكُلِّ عَادَةً، وَلَوْ اطَّرَدَتْ عَادَةُ امْرَأَةٍ بِأَنْ تَحِيضَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يُتَّبَعْ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ بَحْثَ الْأَوَّلِينَ أَتَمُّ، وَاحْتِمَالُ عُرُوضِ دَمِ فَسَادٍ لِلْمَرْأَةِ أَقْرَبُ مِنْ خَرْقِ الْعَادَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ
وَتُسَمَّى الْمُجَاوِزَةُ لِلْخَمْسَةِ عَشَرَ بِالْمُسْتَحَاضَةِ فَيُنْظَرُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَهِيَ الَّتِي ابْتَدَأَهَا الدَّمُ مُمَيِّزَةً بِأَنْ تَرَى فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ دَمًا قَوِيًّا وَفِي بَعْضِهَا دَمًا ضَعِيفًا فَالضَّعِيفُ اسْتِحَاضَةٌ، وَالْقَوِيُّ مِنْهُ حَيْضٌ إنْ لَمْ يَنْقُصْ الْقَوِيُّ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَلَا جَاوَزَ أَكْثَرَهُ، وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ بِأَنْ رَأَتْهُ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فَقَدَتْ شَرْطَ تَمْيِيزٍ مِنْ شُرُوطِهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِعَادَتِهَا. وَقَدْ يُقَالُ: قَوْلُهُ: مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَ هُوَ الْغَالِبُ. قَوْلُهُ: (لِحَمْنَةَ) هِيَ أُخْتُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ اج. وَاسْمُ أُمِّهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. وَكَانَتْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيَّزَةٍ. اهـ. م ر. أَيْ وَكَانَتْ عَادَتُهَا مُخْتَلِفَةً فَتَارَةً سِتَّةٌ وَتَارَةً سَبْعَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ، أَيْ؛ لِأَنَّهَا تُرَدُّ لِلْعَادَةِ وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَةً كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
قَوْلُهُ: (تَحَيَّضِي) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ.
قَوْلُهُ: «فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً» أَيْ وَتَطْهُرِي بَقِيَّةَ الشَّهْرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ، فَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ كَمَا قَرَّرَهُ م ر. وَالْمُرَادُ بِعِلْمِ اللَّهِ مَعْلُومُهُ أَيْ فِيمَا أَعْلَمَكِ اللَّهُ وَأَوْ فِي قَوْلِهِ أَوْ سَبْعَةً لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ.
قَوْلُهُ: (كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ) أَيْ غَالِبُهُنَّ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. وَالْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: تَحِيضُ أَنْ يُضْبَطَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ كَمَا فِي ع ش.
قَوْلُهُ: (مِيقَاتَ) بَدَلٌ مِنْ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً أَيْ: وَمِنْ بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الْمُقَدَّرِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ تَحَيَّضِي سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً وَتَطَهَّرِي بَقِيَّةَ الشَّهْرِ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَذَلِكَ مِيقَاتُ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْتَزِمِي) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ تَحَيَّضِي. وَقَوْلُهُ: (وَأَحْكَامَهُ) تَفْسِيرٌ فَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَحْرُمُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بَحْثَ الْأَوَّلِينَ) أَيْ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ بَعْدَهُ أَتَمُّ فَهُوَ إجْمَاعٌ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَاحْتِمَالُ عُرُوضِ دَمِ إلَخْ) أَيْ وَالْحُكْمُ عَلَى دَمِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِالْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ حَيْضًا خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ. اهـ. ق ل. وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ طُرُوءِ الدَّمِ أَيْ يُحْكَمُ بِوُقُوعِهِ ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَكْثَرَ اسْتَمَرَّ الْحُكْمُ بِالْوُقُوعِ. وَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بَانَ عَدَمُهُ، فَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهَلْ يَسْتَمِرُّ حُكْمُ الطَّلَاقِ لِلْحُكْمِ بِهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ خِلَافُهُ أَوَّلًا نَظَرًا لِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. اهـ. سم. قُلْت: وَاَلَّذِي يَأْتِي لَمْ ر فِي بَابِ الطَّلَاقِ اسْتِمْرَارُهُ. وَعِبَارَتُهُ: لَوْ عَلَّقَ بِالْحَيْضِ وَقَعَ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ حَتَّى لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أُجْرِيَتْ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الطَّلَاقِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَإِنْ احْتَمَلَ كَوْنُهُ دَمَ فَسَادٍ اهـ اج.
قَوْلُهُ: (بِالْمُسْتَحَاضَةِ) وَهِيَ سَبْعَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهَا إمَّا مُبْتَدَأَةٌ أَوْ مُعْتَادَةٌ كُلٌّ مِنْهُمَا مُمَيِّزَةٌ أَوْ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ وَالْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ إمَّا ذَاكِرَةٌ الْوَقْتَ وَالْقَدْرَ أَوْ نَاسِيَةٌ لَهُمَا أَوْ نَاسِيَةٌ لِأَحَدِهِمَا ذَاكِرَةٌ لِلْآخَرِ.
قَوْلُهُ: (فَالضَّعِيفُ اسْتِحَاضَةٌ) أَيْ وَإِنْ طَالَ، فَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ مُسْتَمِرًّا سِنِينَ كَثِيرَةً، فَإِنَّ الضَّعِيفَ كُلَّهُ طُهْرٌ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ لَا حَدَّ لَهُ ز ي. وَقَوْلُهُ: وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ أَيْ مَعَ ضَعِيفٍ أَوْ نَقَاءٍ تَخَلَّلَهُ كَأَنْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَوَادًا ثُمَّ كَذَلِكَ حُمْرَةً أَوْ نَقَاءً ثُمَّ سَوَادًا، وَهَكَذَا إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ. اهـ. ز ي. وَعِبَارَةُ اط ف قَوْلُهُ: وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ أَيْ وَإِنْ اخْتَلَفَ كَأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا وَخَمْسَةً حُمْرَةً وَخَمْسَةً شُقْرَةً، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ فَمَا قَبْلَ الصُّفْرَةِ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِمَّا بَعْدَهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ) إلَخْ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ) قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: لَا يُحْتَاجُ لَهُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الْقَوِيَّ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ لَزِمَ أَنْ لَا يَنْقُصَ الضَّعِيفُ عَنْهَا، وَرَدَّهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ الدَّوْرُ ثَلَاثِينَ فَيُحْتَاجُ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ: (فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ دَوْرُهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ فَيَكُونُ الْقَوِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَالضَّعِيفُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتَكُونُ فَاقِدَةً شَرْطًا. وَبَقِيَ شَرْطٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الضَّعِيفُ مُتَوَالِيًا بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا أَسْوَدَ وَيَوْمَيْنِ أَوْ