قَضَاءُ مَا فَاتَهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ. وَمُقْتَضَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا بَطَلَ صَوْمُهَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَيَحْرُمُ عَلَى حَلِيلِهَا أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ قَبْلَ غُسْلِهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَمَّا إذَا لَمْ تَرَ الدَّمَ إلَّا بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ فَلَا نِفَاسَ لَهَا أَصْلًا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ، وَعَلَى هَذَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا قَبْلَ غُسْلِهَا كَالْجُنُبِ. وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي بَابِ الصِّيَامِ: إنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهَا بِالْوَلَدِ الْجَافِّ مَحَلُّهُ إذَا رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. فَائِدَةٌ: أَبْدَى أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ مَعْنًى لَطِيفًا فِي كَوْنِ أَكْثَرِ النِّفَاسِ سِتِّينَ يَوْمًا أَنَّ الْمَنِيَّ يَمْكُثُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يَتَغَيَّرُ ثُمَّ يَمْكُثُ مِثْلَهَا عَلَقَةً ثُمَّ مِثْلَهَا مُضْغَةً ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: وَالْوَلَدُ يَتَغَذَّى بِدَمِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْوِلَادَةِ عَدَدًا وَحُكْمًا. الثَّانِي ابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْخُرُوجِ عَدَدًا وَحُكْمًا. الثَّالِثُ: ابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ حَيْثُ أَحْكَامُ النِّفَاسِ، وَأَمَّا الْعَدَدُ فَمَحْسُوبٌ مِنْ الْوِلَادَةِ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ فِيمَا إذَا تَأَخَّرَ خُرُوجُهُ عَنْ الْوَلَدِ وَكَانَ بَيْنَهُمَا نَقَاءٌ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ الدَّمُ عَقِبَ الْوَلَدِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَيَنْبَنِي عَلَى الْأَقْوَالِ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَحْرُمُ التَّمَتُّعُ بِهَا فِي زَمَنِ النَّقَاءِ، وَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَيَجُوزُ التَّمَتُّعُ بِهَا فِي مُدَّةِ النَّقَاءِ وَيَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ فِي مُدَّةِ النَّقَاءِ، وَكَذَا عَلَى الثَّالِثِ. قَوْلُهُ: (فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةِ النَّقَاءِ. قَوْلُهُ: (وَمُقْتَضَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ إلَخْ) هَذَا ضَعِيفٌ. وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْبُطْلَانِ لِكَوْنِ الْوِلَادَةِ مَظِنَّةَ خُرُوجِ الدَّمِ وَعَدَمِ جَرَيَانِ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ تَأَمَّلْ مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر جَوَازُ الْوَطْءِ بِلَا غُسْلٍ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْجَنَابَةِ اهـ اج.
قَوْلُهُ: (كَالْجُنُبِ) أَيْ كَالْمَرْأَةِ الْجُنُبِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ. قَوْلُهُ: (مَحَلُّهُ إذَا رَأَتْ الدَّمَ إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْوِلَادَةَ مُبْطِلَةٌ لِلصَّوْمِ مُطْلَقًا، وَعِبَارَةُ ق ل هَذَا الْمَحَلُّ لَا مَحَلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ مُفْطِرَةٌ لِذَاتِهَا اهـ قَالَ م ر فِي بَابِ الصَّوْمِ: وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا بَطَلَ صَوْمُهَا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَرَاهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لَا. فَالْمُعْتَمَدُ بُطْلَانُ الصَّوْمِ بِالْوَلَدِ الْجَافِّ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا نِفَاسٌ أَوْ لَا م د. قَوْلُهُ: (أَبْدَى أَبُو سَهْلٍ إلَخْ) وَهَذِهِ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِيمَنْ تَحِيضُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَتَنْفَسُ أَكْثَرَ النِّفَاسِ وَبِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهَا لَا تَظْهَرُ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَبُو سَهْلٍ هَذَا كَانَ مِنْ أَكَابِرِ الشَّافِعِيَّةِ وَكَانَ فِي زَمَنِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَكَانَ يُنَاظِرُهُ فَكَانَ إذَا طَلَعَ لِمُنَاظَرَتِهِ يَلْبَسُ قَمِيصَ زَوْجَتِهِ، فَاتُّفِقَ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ كَانَ رَاكِبًا حِمَارًا مَعْرُورِيًّا مِنْ غَيْرِ بَرْذَعَةٍ وَعَلَيْهِ قَمِيصُ زَوْجَتِهِ فَكَلَّمَهُ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو سَهْلٍ: أَمَّا رُكُوبِي الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًا، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا لُبْسُ قَمِيصِ زَوْجَتِي فَلِعَدَمِ قَمِيصٍ عِنْدِي غَيْرِهِ فَرَاوَدَهُ الْمَلِكُ فِي شَيْءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَمْ يُوَافِقْ وَتَرَكَهُ. اهـ. . قُلْت: وَهَذِهِ سِيمَةُ الْمُتَوَكِّلِينَ وَسِيمُ الصَّالِحِينَ اهـ اج.
قَوْلُهُ: (أَنَّ الْمَنِيَّ يَمْكُثُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يَتَغَيَّرُ) وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ إذَا لَاقَى مَاءَ الْمَرْأَةِ فِي الْجِمَاعِ وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ مِنْهُ جَنِينًا هَيَّأَ أَسْبَابَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي رَحِمِ الْمَرْأَةِ قُوَّتَيْنِ: قُوَّةُ انْبِسَاطٍ عِنْدَ وُرُودِ مَاءِ الرَّجُلِ حَتَّى يَنْتَشِرَ فِي جَسَدِهَا، وَقُوَّةُ انْقِبَاضٍ بِحَيْثُ لَا يَسِيلُ مِنْ فَرْجِهَا مَعَ كَوْنِهِ مَنْكُوسًا. وَفِي مَنِيِّ الرَّجُلِ قُوَّةُ الْفِعْلِ، وَفِي مَنِيِّ الْمَرْأَةِ قُوَّةُ الِانْفِعَالِ، فَعِنْدَ الِامْتِزَاجِ يَصِيرُ مَنِيُّ الرَّجُلِ كَالْإِنْفَحَةِ لِلَّبَنِ، وَقِيلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةُ فِعْلٍ وَانْفِعَالٍ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ فِي الرَّجُلِ أَكْثَرُ، وَالْمَرْأَةُ بِالْعَكْسِ، وَزَعَمَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ التَّشْرِيحِ أَنَّ مَنِيَّ الرَّجُلِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْوَلَدِ إلَّا فِي عَقْدِهِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ عِظَامَ الْجَنِينِ وَغَضَارِيفَهُ مِنْ مَنِيِّ الرَّجُلِ» ، وَقَوْلُهُ وَغَضَارِيفَهُ أَيْ أَعْصَابَهُ «وَشَحْمَهُ وَلَحْمَهُ مِنْ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ» ثُمَّ إنَّهُ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى لَا يَخْتَلِطُ مَاءُ الرَّجُلِ بِمَاءِ الْمَرْأَةِ بَلْ يَكُونَا مُتَجَاوِرَيْنِ لَا يُغَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَفِي الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ يَخْتَلِطُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَفِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ تُصَوَّرُ أَعْضَاءُ الْجَنِينِ. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ. وَيَثْبُتُ لِلْعَلَقَةِ مِنْ أَحْكَامِ الْوِلَادَةِ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَفِطْرُ الصَّائِمَةِ وَتَسْمِيَةُ الدَّمِ عَقِبَهَا نِفَاسًا وَيَثْبُتُ لِلْمُضْغَةِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ وَحُصُولُ الِاسْتِبْرَاءِ إنْ لَمْ يَقُولُوا فِيهَا صُورَةٌ أَصْلًا، فَإِنْ قَالُوا: فِيهَا صُورَةٌ خَفِيَّةٌ وَجَبَ فِيهَا مَعَ ذَلِكَ غُرَّةٌ وَتَثْبُتُ بِهَا أُمِّيَّةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute