وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَيَانِ حِلُّ مَسِّهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُرْمَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ أَفْحَشُ، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيّ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ أَيْضًا، وَلَمْ يَنْقُلْ مَا يُخَالِفُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ إبْقَاءً لِحُرْمَتِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ إذَا لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عَنْ الْمُصْحَفِ، فَإِنْ انْقَطَعَتْ كَأَنْ جَعَلَ جِلْدَ كِتَابٍ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهُ قَطْعًا (وَ) كَذَا يَحْرُمُ (حَمْلُهُ) أَيْ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الْمَسِّ، نَعَمْ يَجُوزُ حَمْلُهُ لِضَرُورَةٍ كَخَوْفٍ عَلَيْهِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرَقٍ أَوْ نَجَاسَةٍ، أَوْ وُقُوعِهِ فِي يَدِ كَافِرٍ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الطَّهَارَةِ، بَلْ يَجِبُ أَخْذُهُ حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ وَجَبَ وَخَرَجَ بِالْمُصْحَفِ غَيْرُهُ كَتَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وَمَنْسُوخِ تِلَاوَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ، وَإِنْ لَمْ يُنْسَخْ حُكْمُهُ فَلَا يَحْرُمُ، وَيَحِلُّ حَمْلُهُ فِي مَتَاعٍ تَبَعًا لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ وَلَوْ مَعَ الْأَمْتِعَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْإِثْبَاتُ اهـ. وَلَوْ كَمَّلَ الشَّارِحُ الْآيَةَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي وَصْفِهِ بِالتَّنْزِيلِ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ الْمُرَادُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. وَقَالَ الْجَلَالُ: الْمُطَهَّرُونَ الَّذِينَ طَهَّرُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ الْأَحْدَاثِ.
قَوْلُهُ: (مَسُّ جِلْدِهِ) وَأَمَّا الظَّرْفُ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَإِنْ أُعِدَّ لَهُ، وَكَانَ لَائِقًا بِهِ عَادَةً كَصُنْدُوقٍ، وَخَرِيطَةٍ وَعِلَاقَتِهَا حُرِّمَ مَسُّهُ مَا دَامَ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ مَسُّ ظَرْفِ الْمُصْحَفِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُعَدًّا لَهُ وَحْدَهُ أَيْ عَادَةً فَلَا يَحْرُمُ مَسُّ الْخِزَانَةِ الَّتِي فِيهَا الْمُصْحَفُ، وَإِنْ أُعِدَّتْ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِدَادَ لَيْسَ عَادَةً كَمَا فِي ق ل. وَابْنِ شَرَفٍ، وَكَذَا كُرْسِيٌّ وُضِعَ عَلَيْهِ فَيَحْرُمُ مِنْهُ مَا حَاذَاهُ. وَقَالَ ز ي: يَحْرُمُ مَسُّ جَمِيعِهِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا أُعِدَّ لَهُ بَيْنَ كَوْنِهِ عَلَى حَجْمِهِ أَوْ لَا. وَإِنْ لَمْ يُعَدَّ مِثْلُهُ عَادَةً، وَهُوَ قَرِيبٌ.
قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِهِ كَالْجُزْءِ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: (بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ أَفْحَشُ) يُرَدُّ بِأَنَّ الْأَفْحَشِيَّةَ لَا أَثَرَ لَهَا فِي ذَلِكَ؛ إذْ لَا سَبَبَ لِحُرْمَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ إلَّا احْتِرَامُهُ بِنِسْبَتِهِ لِلْمُصْحَفِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْمَسِّ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَنْقُلْ) أَيْ الزَّرْكَشِيّ.
قَوْلُهُ: (كَأَنْ جُعِلَ جِلْدُ كِتَابٍ) قَالَ ع ش: ظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ: لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ وَقَوْلُهُ: جِلْدُ كِتَابٍ أَيْ وَحْدَهُ، أَمَّا لَوْ جُعِلَ الْمُصْحَفُ مَعَ كِتَابٍ فِي جِلْدٍ وَاحِدٍ، فَحُكْمُهُ فِي الْحَمْلِ حُكْمُ الْمُصْحَفِ مَعَ الْمَتَاعِ فَيَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُهُ أَمَّا مَسُّ الْجِلْدِ فَيَحْرُمُ مَسُّ السَّاتِرِ لِلْمُصْحَفِ دُونَ مَا عَدَاهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ م ر. وَضَابِطُ الِانْقِطَاعِ أَنْ يُجْعَلَ جِلْدَ كِتَابٍ وَحْدَهُ وَلَيْسَ مِنْ انْقِطَاعِهَا مَا لَوْ جُلِّدَ الْمُصْحَفُ بِجِلْدٍ جَدِيدٍ وَتُرِكَ الْقَدِيمُ فَيَحْرُمُ مَسُّهُ. وَقَضِيَّةُ تَفْصِيلِهِ فِي الْجِلْدِ بَيْنَ الِانْفِصَالِ وَعَدَمِهِ، وَسُكُوتُهُ عَنْ الْوَرَقِ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ مُطْلَقًا مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا، وَلَوْ هَوَامِشَهُ الْمَقْصُوصَةَ، لَكِنْ فِي سم عَلَى حَجّ أَنَّهُ اسْتَقْرَبَ جَرَيَانَ تَفْصِيلِ الْجِلْدِ فِي الْوَرَقِ قَالَهُ ع ش. وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ: وَلَوْ قَطَعْنَا الْهَوَامِشَ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهَا مُطْلَقًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجْرِي فِيهَا تَفْصِيلُ الْجِلْدِ، وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الْجِلْدِ الْمُنْفَصِلِ لِكَافِرٍ؛ لِأَنَّ قَصْدَ بَيْعِهِ قَطْعُ نِسْبَتِهِ عَنْهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَمَالَ م ر إلَى الْجَوَازِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ ع ش.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الطَّهَارَةِ) وَلَوْ بِالتَّيَمُّمِ أَيْ وَلَا مِنْ إيدَاعِهِ مُسْلِمًا. قَوْلُهُ: (بَلْ يَجِبُ أَخْذُهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ؛ إذْ خَافَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ ضَيَاعًا جَازَ حَمْلُهُ، وَلَا يَجِبُ وَلَوْ حَالَ تَغَوُّطِهِ كَمَا فِي الشَّرْحِ م ر، وَعِنْدَ تَعَارُضِ إلْقَائِهِ فِي قَاذُورَةٍ وَوُقُوعِهِ فِي يَدِ كَافِرٍ يُقَدَّمُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ غَيْرُ مُحَقِّقٍ الْإِهَانَةَ بِخِلَافِ الْإِلْقَاءِ الْمَذْكُورِ اهـ اج. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَلْ لِلِانْتِقَالِ لَا لِلْإِبْطَالِ فَلَا يُعْتَرَضُ بِذَلِكَ أَيْ: انْتَقَلَ مِنْ بَعْضِ صُوَرِ الْجَوَازِ إلَى بَعْضِ صُوَرِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَرَقِ وَالْحَرْقِ فِيهِ إتْلَافٌ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ فِي الضَّيَاعِ فَإِنَّ عَيْنَهُ بَاقِيَةٌ قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَتَوَسُّدُهُ كَحَمْلِهِ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لَا لِنَحْوِ ضَيَاعٍ، وَيَجُوزُ تَوَسُّدُ كُتُبِ الْعِلْمِ لِخَوْفِ الضَّيَاعِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْمُصْحَفِ غَيْرُهُ كَتَوْرَاةٍ إلَخْ) نَعَمْ يُكْرَهُ إنْ عَلِمَ عَدَمَ التَّبْدِيلِ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ وَإِنْ تَحَقَّقَهَا جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمُبَدَّلِ فَقَطْ إنْ خَلَا عَنْ اسْمٍ مُعَظَّمٍ رَحْمَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَحْرُمُ) أَيْ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ.
قَوْلُهُ: (فِي مَتَاعٍ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يُعَدَّ مَاسًّا، وَالظَّرْفِيَّةُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ أَوْ فِي بِمَعْنَى مَعَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَعَ الْأَمْتِعَةِ) ضَعِيفٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ رُبَاعِيَّةٌ قَصْدُهُ وَحْدَهُ حَرَامٌ وَمَا عَدَاهَا لَا حُرْمَةَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر خِلَافًا لِلشَّارِحِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَعِيَّةِ، وَعِبَارَةُ م ر الْأَصَحُّ حِلُّ حَمْلِهِ فِي أَمْتِعَةٍ