للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا فِي مَعْنَاهُ، وَحَيْثُ لَمْ يَحْرُمْ حَمْلُ التَّفْسِيرِ، وَلَا مَسُّهُ بِلَا طَهَارَةٍ كَرْهًا.

(وَ) الْخَامِسُ (دُخُولُ الْمَسْجِدِ) بِمُكْثٍ أَوْ تَرَدُّدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: أَيْ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عُبُورُ سَبِيلٍ بَلْ فِي مَوَاضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ، وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: ٤٠] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -. وَخَرَجَ بِالْمُكْثِ وَالتَّرَدُّدِ الْعُبُورُ لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا لَمْ تَخَفْ الْحَائِضُ تَلْوِيثَهُ، وَخَرَجَ بِالْمَسْجِدِ الْمَدَارِسُ وَالرُّبُطُ وَمُصَلَّى الْعِيدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَكَذَا مَا وُقِفَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ الْحِلِّ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَيْنَ اسْتِوَاءِ الْحَرِيرِ مَعَ غَيْرِهِ حَتَّى حَلَّ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الِاسْتِوَاءَيْنِ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَ التَّفْسِيرَ أَوْ الْقُرْآنَ. وَقَالَ ق ل: أَيْ لَا يَحْرُمُ مَسُّ حُرُوفِ الْقُرْآنِ فِي التَّفْسِيرِ وَلَا مَسُّ حُرُوفِ التَّفْسِيرِ وَلَا هُمَا مَعًا. وَقَالَ شَيْخُنَا م ر: إذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى شَيْءٍ حُرِّمَ إذَا لَمْ يَكُنْ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ اهـ. وَكَلَامُ الشَّارِحِ ضَعِيفٌ عَلَى هَذَا م د. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ م ر أَنَّهُ إذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ حَرُمَ، وَإِنْ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ تَرَدُّدٍ) أَيْ أَوْ عُبُورٍ إنْ خَافَتْ التَّلْوِيثَ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ لَكِنْ يُكْرَهُ.

قَوْلُهُ: {وَلا جُنُبًا} [النساء: ٤٣] إلَخْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَيْضِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ مَقِيسٌ عَلَى الْجَنَابَةِ لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ: وَقِيسَ بِالْجَنَابَةِ الْحَيْضُ وَجُنُبًا حَالٌ مِنْ الْوَاوِ فِي لَا تَقْرَبُوا؛ لِأَنَّ الْجُنُبَ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ؛ لِأَنَّ جُنُبًا مَعْطُوفٌ عَلَى وَأَنْتُمْ سُكَارَى وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْحَالِ حَالٌ.

قَوْلُهُ: (أَيْ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ) هَذَا التَّقْدِيرُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا فِي قَوْلِهِ: وَلَا جُنُبًا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَلَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ جُنُبًا، فَيُحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الْمَوَاضِعِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى السُّكَارَى فَلَا يُحْتَاجُ لِلتَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ السُّكَارَى لَا يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ فَالصَّلَاةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي حَقِيقَتِهَا وَمَجَازِهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَقَالَ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ: جَزَمَ الْأُسْتَاذُ الْحَلِيمِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ بِتَحْرِيمِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى السَّكْرَانِ، وَاسْتَثْنَاهُ مِنْ جَوَازِهِ لِلْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الِاعْتِكَافِ السَّكْرَانُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمَسْجِدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] أَيْ مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ.

قَوْلُهُ: (بَلْ فِي مَوَاضِعِهَا) أَيْ الْمَعْهُودَةِ كَمَا ذَكَرَهُ، وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى أَنَّ الْحَائِضَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْمُكْثُ فِي سَائِرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ عَامٌّ شَامِلٌ لِجَمِيعِ بِقَاعِ الْأَرْضِ أَيْ: فَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالْمَسَاجِدِ يُؤْخَذُ تَخْصِيصُهُ بِالْمَسَاجِدِ مِنْ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ» ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يُبَيِّنُ الْكِتَابَ.

قَوْلُهُ: (وَنَظِيرُهُ) أَيْ فِي تَقْدِيرِ الْمُضَافِ، وَقَوْلُهُ: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} [الحج: ٤٠] هِيَ مَعْبَدُ الرُّهْبَانِ وَالْبِيَعُ كَنَائِسُ النَّصَارَى وَالصَّلَوَاتُ كَنَائِسُ الْيَهُودِ كَمَا فِي الْجَلَالَيْنِ. وَقَالَ الْخَازِنُ: لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ أَيْ مَعَابِدُ الرُّهْبَانِ الْمُتَّخَذَةِ فِي الصَّحْرَاءِ وَبِيَعٌ وَهِيَ مَعَابِدُ النَّصَارَى فِي الْبَلَدِ

وَقِيلَ الصَّوَامِعُ لِلصَّابِئَيْنِ، وَالْبِيَعُ لِلنَّصَارَى، وَصَلَوَاتٌ يَعْنِي كَنَائِسَ الْيَهُودِ وَيُسَمُّونَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ صَلَوَاتٌ، وَمَسَاجِدُ يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ: {يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: ٤٠] يَعْنِي فِي الْمَسَاجِدِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، أَيْ بِالْجِهَادِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ لَهُمْ فِي شَرِيعَةِ كُلِّ نَبِيٍّ مَكَانَ صَلَوَاتِهِمْ لَهُدِّمَ فِي زَمَنِ مُوسَى الْكَنَائِسُ، وَفِي زَمَنِ عِيسَى الْبِيَعُ وَالصَّوَامِعُ، وَفِي زَمَنِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسَاجِدُ.

قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ تَخَفْ الْحَائِضُ تَلْوِيثَهُ) أَيْ وَلَوْ بِالتَّوَهُّمِ أَيْ: وَيُكْرَهُ لَهَا دُخُولُهُ مَعَ أَمْنِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ، فَإِنَّ مُرُورَهُ فِيهِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَدَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ هَوَاؤُهُ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ نَحْوِ رَوْشَنٍ وَغُصْنِ شَجَرَةٍ أَصْلُهَا خَارِجَهُ لَا عَكْسُهُ. قَالَ ع ش: بَلْ عَكْسُهُ كَذَلِكَ، وَرَحْبَتُهُ لَا حَرِيمُهُ، وَيَكْفِي فِي كَوْنِهِ مَسْجِدًا ظَنُّهُ، وَلَوْ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَيْسَ مِنْ عَلَامَاتِهِ وُجُودُ الْمِنْبَرِ وَالتَّزْوِيقِ وَالْمَنَارَةِ وَالشَّرَارِيفِ وَنَحْوِهَا. ق ل. وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَتَثْبُتُ الْمَسْجِدِيَّةُ بِالْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ لِلصَّلَاةِ، وَبِالِاسْتِفَاضَةِ، وَمَعْنَاهَا أَنْ يَتَكَرَّرَ صَلَاةُ النَّاسِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>