للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولٍ نَبِيٌّ وَلَا عَكْسَ

(وَ) عَلَى (آلِهِ) وَهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَقِيلَ كُلُّ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ، وَقِيلَ أُمَّتُهُ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ. وَالْمُطَّلِبُ مُفْتَعِلٌ مِنْ الطَّلَبِ، وَاسْمُهُ شَيْبَةُ الْحَمْدِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ وُلِدَ وَفِي رَأْسِهِ شَيْبَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي ذُؤَابَتَيْهِ، وَهَاشِمٌ لَقَبٌ وَاسْمُهُ عَمْرٌو، وَقِيلَ لَهُ هَاشِمٌ لِأَنَّ قُرَيْشًا أَصَابَهُمْ قَحْطٌ فَنَحَرَ بَعِيرًا وَجَعَلَهُ لِقَوْمِهِ مَرَقَةً وَثَرِيدًا فَلِذَلِكَ سُمِّيَ هَاشِمًا لِهَشْمِهِ الْعَظْمَ (وَ) عَلَى (صَحْبِهِ) وَهُوَ جَمْعُ صَاحِبٍ، وَالصَّحَابِيُّ مَنْ اجْتَمَعَ مُؤْمِنًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ وَلَوْ سَاعَةً وَاحِدَةً وَلَوْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ شَيْئًا فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَعْمَى كَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَالصَّغِيرُ وَلَوْ غَيْرَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالرِّسَالَةِ أَنَّ النُّبُوَّةَ هِيَ الِانْصِرَافُ مِنْ حَضْرَةِ الْخَلْقِ إلَى الْحَقِّ، وَالرِّسَالَةُ الِانْصِرَافُ مِنْ حَضْرَةِ الْحَقِّ إلَى الْخَلْقِ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ النُّبُوَّةِ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَزَعْمُ تَعَلُّقِ النُّبُوَّةِ بِالْخَالِقِ دُونَ الرِّسَالَةِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْخَلَائِقِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ فِيهِمَا التَّعَلُّقَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ، وَالْكَلَامُ كُلُّهُ فِي نُبُوَّةِ الرَّسُولِ مَعَ رِسَالَتِهِ، وَإِلَّا فَالرَّسُولُ أَفْضَلُ مِنْ النَّبِيِّ قَطْعًا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَا عَكْسَ) أَيْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَإِنْ نُظِرَ إلَى أَنَّ الْمَلَكَ يُوصَفُ بِالرِّسَالَةِ كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ وَهُوَ وَارِدٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: ٧٥] .

قَوْلُهُ: (وَعَلَى آلِهِ) أَعَادَ الْعَامِلَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ مَطْلُوبَةٌ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ اسْتِحْبَابِهَا عَلَى الْأَصْحَابِ فَإِنَّهَا بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ بِالْآلِ وَلِهَذَا أَسْقَطَهُ فِيهِمْ.

قَوْلُهُ: (مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ) أَيْ وَبَنَاتِهِمْ فَفِيهِ تَغْلِيبٌ، وَهَاشِمٌ جَدُّ النَّبِيِّ الثَّانِي، وَالْمُطَّلِبُ أَخُو هَاشِمٍ وَأَبُوهُمَا عَبْدُ مَنَافٍ، فَيَكُونُ الْمُطَّلِبُ عَمَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَاسِطَةٍ لِأَنَّهُ عَمُّ جَدِّهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ. وَقَوْلُهُ: (وَقِيلَ أُمَّتُهُ) أَيُّ أُمَّةٍ الْإِجَابَةُ أَتْقِيَاءُ وَغَيْرُهُمْ، وَالْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، وَالْأَوَّلُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي مَقَامِ الزَّكَاةِ وَالْأَخِيرَيْنِ فِي مَقَامِ الدُّعَاءِ وَالضَّمِيرُ فِي وَاسْمُهُ عَائِدٌ عَلَى الْمُطَّلِبِ أَيْ اسْمُ الْمُطَّلِبِ شَيْبَةُ الْحَمْدِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي السِّيَرِ مِنْ أَنَّ شَيْبَةَ الْحَمْدِ إنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَقِيلَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِأَنَّ عَمَّهُ الْمُطَّلِبَ أَخَا هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ لَمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ صَغِيرًا أَرْدَفَهُ خَلْفَهُ وَكَانَ بِهَيْئَةٍ رَثَّةٍ، فَكَانَ كُلَّمَا سُئِلَ عَنْهُ يَقُولُ: هَذَا عَبْدِي حَيَاءً أَنْ يَقُولَ ابْنَ أَخِي، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أَحْسَنَ وَأَظْهَرَ أَنَّهُ ابْنُ أَخِيهِ. وَفِي الْمَوَاهِبِ إنَّمَا سُمِّيَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ لِأَنَّ وَالِدَهُ هَاشِمًا لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِأَخِيهِ الْمُطَّلِبِ: أَدْرِكْ عَبْدَك بِيَثْرِبَ. وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ شَيْبَةَ الْحَمْدِ اسْمٌ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَمَنَافٌ أَصْلُهُ مَنَاةُ اسْمُ صَنَمٍ كَانَ أَعْظَمَ أَصْنَامِهِمْ وَكَانَتْ أُمُّهُ جَعَلَتْهُ خَادِمًا لِذَلِكَ الصَّنَمِ، وَقِيلَ: وَهَبَتْهُ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ وَلَدٍ وُلِدَ لِقُصَيٍّ كَمَا قِيلَ.

قَوْلُهُ: (مُفْتَعِلٌ) فَأَصْلُهُ مُتَطَلِّبٌ فَأُبْدِلَتْ التَّاءُ طَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الطَّاءِ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:

طَا تَا افْتِعَالٍ رُدَّ إثْرَ مُطْبَقِ

قَوْلُهُ: (ذُؤَابَتَيْهِ) أَيْ جَانِبَيْ رَأْسِهِ جَمْعُ ذُؤَابَةٍ بِالْهَمْزِ وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ الشَّعْرِ مُجْتَمِعَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَصَحْبِهِ) بَيْنَ الْآلِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمْ، وَالصَّحْبُ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، وَعَلَى إرَادَةِ جَمِيعِ أُمَّةٍ الْإِجَابَةُ كَمَا اُخْتِيرَ فِي مَقَامِ الدُّعَاءِ فَعَطْفُ الصَّحْبِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِشَرَفِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِهِمْ مَزِيدَ الدُّعَاءِ بِكَثْرَةِ نَقْلِهِمْ الشَّرَائِعَ وَالشَّعَائِرَ إلَيْنَا عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ جَمْعُ صَاحِبٍ) الرَّاجِحُ أَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ، وَالْمُرَادُ بِالصَّاحِبِ الصَّحَابِيُّ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَالصَّحَابِيُّ مَنْ اجْتَمَعَ مُؤْمِنًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ بَعْدَ نُبُوَّتِهِ وَلَوْ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالدَّعْوَةِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ اجْتِمَاعًا مُتَعَارَفًا بِأَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلَوْ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ كَانَ أَعْمَى وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَمَجْنُونٍ أَوْ مَارًّا أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَوْ نَائِمًا أَوْ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهِ لَكِنْ رَأَى النَّبِيَّ أَوْ رَآهُ النَّبِيُّ وَلَوْ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ كَأَهْلِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَوْ رَآهُ مِنْ كَوَّةٍ فِي جِدَارٍ بَيْنَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنَّهُ اجْتِمَاعٌ أَوْ فِي حُكْمِهِ أَنْ خَاطَبَهُ مَعَ رُؤْيَتِهِ وَشَمَلَ قَوْلُنَا مَنْ اجْتَمَعَ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ وَالْمَلَائِكَةَ وَدَخَلَ فِي قَوْلِنَا اجْتِمَاعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>