للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ مُحَتَّمَةً مُؤَقَّتَةً وَأَخْبَارٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ صَلَاةً فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ وَأَسْأَلُهُ التَّخْفِيفَ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» «وَقَوْلُهُ لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ قَالَ وَهَلْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ: بِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الْإِقَامَةِ لُغَةً، فَقَدْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَقَامَ الصَّلَاةَ أَدَامَ فِعْلَهَا، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الدَّوَامَ يَسْتَلْزِمُ الْمُحَافَظَةَ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ دَائِمًا، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَعْمَلُ فِي مُطْلَقِ الطَّلَبِ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ.

قَوْلُهُ: (قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ} [النساء: ١٠٣] إلَخْ) أَتَى بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ لِأَجْلِ بَيَانِ الْوَقْتِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مَعَ قَوْلِهِ آيَاتٌ لِاشْتِهَارِهِمَا، وَأَمَّا الْأَخْبَارُ فَذَكَرَ مِنْهَا ثَلَاثَةً كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا قَوْلُهُ: (أَيْ مُحَتَّمَةً مُؤَقَّتَةً) وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ: كِتَابًا مَوْقُوتًا أَيْ مَفْرُوضًا مَكْتُوبًا مُقَدَّرًا وَقْتُهَا فَلَا تُؤَخَّرُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: «فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي» ) وَفِي رِوَايَةٍ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي، وَالْمُرَادُ أُمَّةُ الدَّعْوَةِ وَهُمْ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: ٤٢] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: ٤٣] الْآيَةَ. وَالْمُرَادُ الْمُكَلَّفُونَ مِنْ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ يُعْطَوْا فَضِيلَةَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَلِذَا يَحْرِصُونَ عَلَى اسْتِمَاعِهِ مِنْ الْإِنْسِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ كَرَامَةٌ أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا الْإِنْسَ غَيْرَ أَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْجِنِّ يَقْرَءُونَهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ لَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ أَوْ لَا جَمِيعُهُ. قَوْلُهُ: (خَمْسِينَ صَلَاةً) أَيْ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَشَرُ صَلَوَاتٍ وَكَانَتْ كُلُّ صَلَاةٍ رَكْعَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ: (فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ) أَيْ بِإِرْشَادٍ مِنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالْمُرَاجَعَةُ تِسْعُ مَرَّاتٍ وَفِي كُلِّهَا يَرَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ.

فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَأْمُرْهُ إبْرَاهِيمُ بِالرُّجُوعِ لِرَبِّهِ فِي شَأْنِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ قَبْلَ مُوسَى؟ أُجِيبَ: بِأَنَّهُ خَلِيلُ اللَّهِ وَالْخَلِيلُ شَأْنُهُ التَّسْلِيمُ وَمُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ وَالْكَلِيمُ شَأْنُهُ الْكَلَامُ. وَالْحِكْمَةُ فِي وُقُوعِ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ لَمَّا قُدِّسَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حِينَ غُسِلَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِالْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ، وَمِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا الطُّهْرُ نَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ تُفْرَضَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلِيَظْهَرَ شَرَفُهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُصَلِّيَ بِمَنْ سَلَفَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَلِيُنَاجِيَ رَبَّهُ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ جَلَّ وَعَلَا. وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ عِبَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَاةِ مَا هِيَ وَفِي أَيْ مَكَان كَانَ يَتَعَبَّدُ، وَهَلْ وَرَدَ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَبَّدُ بِشَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ لَا؟ وَمَا كَانَتْ شَرِيعَتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ؟ وَمَا فُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ هَلْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ كَانَ يَقْرَأُ فِي عِبَادَتِهِ إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَأَجَابَ شَيْخُنَا: بِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَبَّدْ بِشَرِيعَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مُطْلَقًا، وَعِبَادَتُهُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانَتْ شَهْرًا فِي السَّنَةِ فِي غَارِ حِرَاءَ بِالْمَدِّ يَتَفَكَّرُ فِي آلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُكْرِمُ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْ الضِّيفَانِ، ثُمَّ بَعْدَ الْبَعْثَةِ كَانَ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَانِ بِالْعَشِيِّ كَمَا قِيلَ: وَلَمْ يَثْبُتْ مَا كَانَ يَقْرَؤُهُ فِيهِمَا وَالرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ صَلَّاهُمَا بِالْأَنْبِيَاءِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتَا مِمَّا عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا قَرَأَهُ فِيهِمَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي نُزْهَةِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ قَرَأَ فِيهِمَا سُورَةَ الْإِخْلَاصِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ: سُورَةَ الْإِخْلَاصِ أَيْ زِيَادَةً عَلَى الْفَاتِحَةِ لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهَا مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ. وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ: وَلَمْ يُحْفَظْ فِي الْإِسْلَامِ صَلَاةٌ بِغَيْرِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اهـ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا) أَيْ حَتَّى فِي حَقِّهِ ع ش خِلَافًا لِلسُّيُوطِيِّ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْخَمْسِينَ صَلَاةً نُسِخَتْ فِي حَقِّنَا وَفِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَكِنْ كَانَ يَفْعَلُهَا عَلَى وَجْهِ النَّفْلِيَّةِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ النَّسْخِ قَبْلَ تَبْلِيغِ الْمَنْسُوخِ لِلْأُمَّةِ، وَقِيلَ لَا يُسَمَّى نَسْخًا حِينَئِذٍ بَلْ تَخْفِيفٌ. قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَفُرِضَتْ أَوَّلًا رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّيهَا كَذَلِكَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ أُمِرَ بِالزِّيَادَةِ إلَّا فِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ اهـ. وَنُقِلَ عَنْ ح ل أَنَّهُ قَالَ حَتَّى الْمَغْرِبُ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ زِيدَتْ رَكْعَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَضَبَطَ السُّيُوطِيّ فِي الْخَصَائِصِ الصُّغْرَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا، فَبَلَغَتْ مِائَةَ رَكْعَةٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَيْ: وَهِيَ مِقْدَارُ الْخَمْسِينَ صَلَاةً. وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ: الَّذِي تَلَقَّيْنَاهُ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ الْحَوَاشِي أَنَّ الْخَمْسِينَ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>