للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] أَيْ حَافِظُوا عَلَيْهَا دَائِمًا بِإِكْمَالِ وَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: ١٠٣]

ــ

[حاشية البجيرمي]

سَاعَاتِ الْيَقِظَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْهَا النَّهَارُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً وَنَحْوُ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ أَوَّلُ اللَّيْلِ وَسَاعَتَيْنِ آخِرَهُ، فَكُلُّ رَكْعَةٍ تُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَاعَةٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الْعَبْدَ إذَا قَامَ يُصَلِّي أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَوُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى عَاتِقِهِ فَكُلَّمَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ تَسَاقَطَتْ عَنْهُ» . اهـ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (خَمْسٌ) وَلَا يَرِدُ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّهَا خَامِسَةُ يَوْمِهَا وَإِيرَادُ بَعْضِهِمْ لَهَا مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ: كُلَّ يَوْمٍ مَعَ أَنَّ الْإِخْبَارَ بِوُجُوبِ الْخَمْسِ وَقَعَ قَبْلَ فَرْضِهَا وَحِينَ فُرِضَتْ لَمْ تُجْمَعْ مَعَ الظُّهْرِ. قَالَ ح ل: وَقَدْ يَجِبُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَنَّ بَعْضَ أَيَّامِ الدَّجَّالِ كَسَنَةٍ وَهُوَ أَوَّلُهَا، وَثَانِيهَا كَشَهْرٍ، وَثَالِثُهَا كَجُمُعَةٍ» . وَسُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ هَلْ يَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؟ فَقَالَ: «لَا اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» وَالْأَمْرُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِالتَّقْدِيرِ وَيُقَاسُ بِهِ الْأَخِيرَانِ بِأَنْ يُقَدِّرَ قَدْرَ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَتُصَلَّى وَهُوَ جَارٍ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَإِقَامَةِ الْأَعْيَادِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ فَيُصَلِّي الْوِتْرَ وَالتَّرَاوِيحَ، وَيُسِرُّ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ وَمَوَاقِيتُ الْحَجِّ وَيَوْمُ عَرَفَةَ وَأَيَّامُ مِنًى، وَكَذَا الْعِدَّةُ. وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا امْرَأَةٌ مَاتَ زَوْجُهَا وَلَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا لَوْ مَكَثَتْ الشَّمْسُ عِنْدَ قَوْمٍ مُدَّةً.

قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ تَكَرَّرَتْ الصَّلَاةُ عِنْدَنَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ؟ فَالْجَوَابُ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِنَا لِنَتَذَكَّرَ ذُنُوبَنَا عِنْدَ طَهَارَتِنَا وَيَحْصُلَ لَنَا الرِّضَا وَالشَّرَفُ كُلَّمَا وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَجْبُرَ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْخَلَلَ الْوَاقِعَ مِنَّا بِالْمَعَاصِي وَالْغَفَلَاتِ بَيْنَ كُلِّ صَلَاةٍ وَصَلَاةٍ فَيَتُوبُ أَحَدُنَا، وَيَسْتَغْفِرُ مِمَّا جَنَاهُ مِنْ الْمُخَالَفَاتِ عَلَى حَسَبِ مَقَامِ ذَلِكَ الْمُتَطَهِّرِ مِنَّا أَوْ الْمُصَلِّي، كَمَا أَنَّهُ إذَا قَالَ أَذْكَارَ الْوُضُوءِ الْوَارِدَةَ يُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ الْخَاصَّةُ بِالْوُضُوءِ، ثُمَّ إنَّهُ يَقُومُ لِلصَّلَاةِ فَيُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ الْخَاصَّةُ بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ كُلَّ مَأْمُورٍ شَرْعِيٍّ إنَّمَا شُرِعَ كَفَّارَةً لِفِعْلٍ وَقَعَ الْعَبْدُ فِيهِ مِمَّا يُسْخِطُ اللَّهَ تَعَالَى، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَتِهِ كَفَّارَةً لَهُ كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ أَهْلُ الْكَشْفِ، فَلَوْ كُشِفَ لِلْعَبْدِ لَرَأَى ذُنُوبَهُ تَتَسَاقَطُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَفِيهِ كَلَامٌ يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ. قَالَ ح ل فِي السِّيرَةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ الصَّلَوَاتِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسًا أَنَّ الْحَوَاسَّ لَمَّا كَانَتْ خَمْسَةً وَالْحَوَاسُّ تَقَعُ بِوَاسِطَتِهَا الْمَعَاصِي كَانَتْ كَذَلِكَ لِتَكُونَ مَاحِيَةً لِمَا يَقَعُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ الْمَعَاصِي أَيْ: بِسَبَبِ تِلْكَ الْحَوَاسِّ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ بِبَابِ أَحَدِكُمْ نَهْرٌ يَغْتَسِلُ مِنْهُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَكَانَ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ أَيْ وَسَخِهِ شَيْئًا. قَالُوا: لَا؟ قَالَ: فَذَاكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا» قِيلَ: وَجُعِلَتْ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ لِتُوَافِقَ أَجْنِحَةَ الْمَلَائِكَةِ كَأَنَّهَا جُعِلَتْ أَجْنِحَةً لِلشَّخْصِ يَطِيرُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى اهـ.

قَوْلُهُ: (مَعْلُومَةً مِنْ الدِّينِ إلَخْ) أَيْ عِلْمُهَا مِنْ الدِّينِ صَارَ كَالضَّرُورِيِّ وَهُوَ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ مَا لَا تَجْهَلُهُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ فَلَا يَرِدُ مَا يُقَالُ. إنَّ الضَّرُورِيَّ خَاصٌّ بِالْمُدْرَكِ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَعْلُومَةً مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَيْ بَعْدَ ثُبُوتِهَا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهَا إلَخْ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ مَعْلُومَةً مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَيْ اُشْتُهِرَتْ اشْتِهَارًا يُقَرِّبُهَا مِنْ الضَّرُورِيِّ لَا أَنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ فِي نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ الضَّرُورِيَّ مَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَهِيَ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا بِالدَّلِيلِ اهـ.

قَوْلُهُ: (مِنْ الدِّينِ) أَيْ مِنْ أَدِلَّةِ الدِّينِ.

١ -

قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهَا) أَيْ فِي فَرْضِهَا وَعَدَدِهَا، وَكَانَتْ مَشْرُوعِيَّتُهَا رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ الْخَمْسِ ثُمَّ زِيدَ فِي الظُّهْرِ. اثْنَانِ ثُمَّ فِي الْعَصْرِ كَذَلِكَ ثُمَّ فِي الْمَغْرِبِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ فِي الْعِشَاءِ اثْنَانِ ثُمَّ بَقِيَتْ الصُّبْحُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا قَبْلُ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ غَالِبًا فِي وَقْتِ الْكَسَلِ، وَاخْتِصَاصُهَا بِهَذِهِ الْأَوْقَاتِ تَعَبُّدِيٌّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (أَيْ حَافِظُوا) فِيهِ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْآيَةِ، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ السُّنَنَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ لِلْوُجُوبِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيْ ائْتُوا بِهَا م د.

<<  <  ج: ص:  >  >>