وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: ١٧] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: ١٨] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِحِينَ تُمْسُونَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَبِحِينَ تُصْبِحُونَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَبِعَشِيًّا صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَبِحِينَ تُظْهِرُونَ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَخَبَرُ: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ الْفَيْءُ قَدْرَ الشِّرَاكِ، وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ أَيْ الشَّيْءِ مِثْلَهُ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ أَيْ دَخَلَ وَقْتُ إفْطَارِهِ، وَالْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَالْفَجْرَ حِينَ حُرِّمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمَ وَالْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَالْفَجْرَ فَأَسْفَرَ وَقَالَ:
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ تَضِيقُ بِظَنِّهِ، وَقِيَامُ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الشَّكّ كَالظَّنِّ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ لَوْ لَمْ يَمُتْ فِي أَثْنَائِهِ كَأَنْ عَفَا عَنْهُ وَلِيُّ الدَّمِ لَا تَصِيرُ بِفِعْلِهَا فِي بَاقِي الْوَقْتِ قَضَاءً نَظَرًا إلَى أَنَّهُ فَعَلَهَا فِي الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَبِخُرُوجِهَا تَفُوتُ) أَيْ أَدَاؤُهَا. قَوْلُهُ: (وَعَشِيًّا) عَطْفٌ عَلَى حِينَ تُمْسُونَ قَوْلُهُ: وَلَهُ الْحَمْدُ جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَرَادَ بِحِينَ تُمْسُونَ إلَخْ) هُوَ الْمَشْهُورُ وَبَعْضُهُمْ عَكَسَ فِي الْمَسَاءِ وَالْعَشِيِّ فَقَالَ: أَرَادَ بِحِينَ تُمْسُونَ الْعَصْرَ وَبِعَشِيًّا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ. قَالَ ق ل: وَهُوَ الْأَنْسَبُ، هَذَا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَرَادَ بِالتَّسْبِيحِ حِينَ تُمْسُونَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إلَخْ. وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي الْبَاقِي، فَالْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ الصَّلَاةُ فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ يُطْلَقُ عَلَى الصَّلَاةِ لُغَةً كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ هَيْئَةٌ مِنْهَا، وَشَرْطُ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ أَنْ يَكُونَ لِلْجُزْءِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: ٣٩] {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [ق: ٤٠] اهـ ح ف.
قَوْلُهُ: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ» ) أَيْ صَارَ إمَامًا لِي. فَإِنْ قُلْت: إنَّ جِبْرِيلَ لَا يُوصَفُ بِذُكُورَةٍ وَلَا بِأُنُوثَةٍ، فَكَيْفَ صَحَّتْ إمَامَتُهُ لِلنَّبِيِّ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ شَرْطَ الْإِمَامِ عَدَمُ الْأُنُوثَةِ لَا خُصُوصُ الذُّكُورَةِ. فَإِنَّ قُلْت: يَرِد الْخُنْثَى فَإِنَّ الْأُنُوثَةَ مَعْدُومَةٌ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ لِلرَّجُلِ. قُلْت: الشَّرْطُ عَدَمُ الْأُنُوثَةِ يَقِينًا وَالْخُنْثَى مَعْدُومَةٌ فِيهِ احْتِمَالًا وَيُمْكِنُ وُجُودُهَا فِيهِ. قَالَ م د: وَلَا يُنَافِي أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَؤُمَّ الْمَفْضُولُ الْفَاضِلَ. وَذَكَرَ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَتْ بِرُكُوعٍ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَعْرُوفَةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّهَا كَانَتْ بِلَا رُكُوعٍ، وَأَتَى بِخَبَرِ جِبْرِيلَ بَعْدَ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُبَيِّنْ أَوَّلَ الْأَوْقَاتِ وَلَا آخِرَهَا، بَلْ أَشَارَتْ لَهَا. وَقَوْلُهُ: مَرَّتَيْنِ، وَانْظُرْ هَلْ كَانَ مُسْتَمِرًّا عِنْدَ الْبَيْتِ لَمَّا صَلَّى الْمَرَّتَيْنِ أَوْ كَانَ يُفَارِقُهُ وَيَأْتِي لَهُ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي رَاجِعْ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْبَيْتِ) أَيْ الْكَعْبَةِ أَيْ عِنْدَ الْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ بِالْمِعْجَنَةِ قَرِيبًا مِنْ الْبَابِ.
قَوْلُهُ: (حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ) أَيْ عَقِبَ زَوَالِ الشَّمْسِ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ الْفَيْءُ) أَيْ الظِّلُّ.
قَوْلُهُ: (قَدْرَ الشِّرَاكِ) أَيْ: سَيْرِ النَّعْلِ، وَذَلِكَ قَدْرُ عَرْضِ إصْبَعٍ أَوْ أَقَلَّ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ غَيْرُ الْوَقْتِ الَّذِي يُعْدَمُ فِيهِ الظِّلُّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَدْخُلُ وَقْتُ الظُّهْرِ بِحُدُوثِ ظِلِّ وَلَوْ يَسِيرًا.
قَوْلُهُ: (حِينَ كَانَ ظِلُّهُ) أَيْ: عَقِبُهُ.
قَوْلُهُ: (أَيْ دَخَلَ وَقْتُ إفْطَارِهِ) إنَّمَا قَدَّرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إذْ ذَاكَ لَمْ يُفْرَضْ اج؛ لِأَنَّهُ فُرِضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ أَيْ: وَكَانَ هَذَا الْوَقْتُ مَعْلُومًا كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّ أَوَّلَ الْغَدِ الصُّبْحُ. قُلْت: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ بِدَلِيلِ «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ» اج. فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَوَّلَ الْغَدِ الصُّبْحُ وَالْمَرَّةُ كِنَايَةٌ عَنْ فِعْلِ الْخَمْسِ مُبْتَدِئًا بِالظُّهْرِ وَخَاتِمًا بِالصُّبْحِ. قَوْلُهُ: (إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) أَيْ مُؤَخَّرَةً إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، أَوْ أَنَّ إلَى بِمَعْنَى عِنْدَ وَلَا حَذْفَ.
قَوْلُهُ: (فَأَسْفَرَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ فَرَغَ