الثَّانِي) أَيْ الصَّادِقُ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، وَيَحْرُمَانِ بِالصَّادِقِ (وَآخِرُهُ فِي) وَقْتِ (الِاخْتِيَارِ إلَى الْإِسْفَارِ) وَهُوَ الْإِضَاءَةُ لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا: «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ (وَ) آخِرُهُ (فِي) وَقْتِ (الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ» وَالْمُرَادُ بِطُلُوعِهَا هُنَا طُلُوعُ بَعْضِهَا بِخِلَافِ غُرُوبِهَا فِيمَا مَرَّ إلْحَاقًا لِمَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ فِيهِمَا؛ وَلِأَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ يُشْمَلُ بِطُلُوعِ بَعْضِ الْفَجْرِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَخْرُجَ بِطُلُوعِ بَعْضِ الشَّمْسِ فَلَهَا سِتَّةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَى الْأَحْمَرِ، ثُمَّ وَقْتُ كَرَاهَةٍ وَوَقْتُ حُرْمَةٍ وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَهِيَ نَهَارِيَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: ١٨٧] الْآيَةَ. وَلِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ، وَهِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْأَصْحَابِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: ٢٣٨] الْآيَةَ إذْ لَا قُنُوتَ إلَّا فِي الصُّبْحِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِمَنْ يَكْتُبُ مُصْحَفًا: اُكْتُبْ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ قَالَتْ: سَمِعْتهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إذْ الْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ قَالَ النَّوَوِيُّ عَنْ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: صَحَّتْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْغَدَاةُ.
قَوْلُهُ: (يَجْمَعُ بَيَاضًا وَحُمْرَةً) أَمَّا الْبَيَاضُ فَهُوَ الْفَجْرُ الصَّادِقُ، وَأَمَّا الْحُمْرَةُ فَمِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ قَبْلَ طُلُوعِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَجْرَ يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَصَحَّ قَوْلُهُ الَّذِي يَجْمَعُ بَيَاضًا وَحُمْرَةً م د. قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ يَجْمَعُ بَيَاضًا وَحُمْرَةً فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ إنَّمَا يَجْمَعُ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ كَثِيرٍ مِنْ وَقْتِهَا فَيَقْتَضِي أَنَّهَا تُؤَخَّرُ لِذَلِكَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا تُفْعَلُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْفَجْرُ حِينَئِذٍ بَيَاضٌ لَا حُمْرَةَ فِيهِ، فَلَوْ قَالَ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ عَقِبَ الْفَجْرِ وَالْفَجْرُ فِيهِ بَيَاضٌ حِينَئِذٍ وَالشَّيْءُ الَّذِي فِيهِ بَيَاضٌ يُقَالُ لَهُ صُبْحٌ كَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى.
قَوْلُهُ: (عَلَّقَهُ عَلَى الْوَقْتِ) أَيْ قَيَّدَهُ بِالْوَقْتِ إلَخْ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى التَّقْيِيدِ بِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِطُلُوعِهَا هُنَا) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بَعْضُهَا صَلَّى لِلْبَاقِي فَلَمْ يُلْحِقُوا مَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ ح ل.
قَوْلُهُ: (إلْحَاقًا لِمَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ) فَكَأَنَّهَا كُلَّهَا طَلَعَتْ بِخِلَافِ غُرُوبِهَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سُقُوطِ جَمِيعِ الْقُرْصِ، فَإِذَا غَابَ الْبَعْضُ أُلْحِقَ مَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ اهـ ز ي.
قَوْلُهُ: (فَلَهَا سِتَّةُ أَوْقَاتٍ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ، وَلَيْسَ لَهَا وَقْتُ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُجْمَعُ مَعَ مَا قَبْلَهَا وَلَا مَعَ مَا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (وَهِيَ نَهَارِيَّةٌ) أَيْ شَرْعًا وَلَيْلِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَوَّلَ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلِذَلِكَ طُلِبَ فِيهَا الْجَهْرُ اهـ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ دَلِيلٌ لِمَا ادَّعَاهُ ق ل.
قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي أَنَّهَا نَهَارِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: (إذْ لَا قُنُوتَ إلَخْ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَانِتِينَ فِي الْآيَةِ مَنْ يَأْتِي بِقُنُوتِ الصُّبْحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْعِبَادَةُ وَالطَّاعَةُ مُطْلَقًا فَرَاجِعْهُ ق ل. أَيْ وَقُومُوا لِلَّهِ مُطِيعِينَ شَرْحُ مُسْلِمٍ.
قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) بِالْجَرِّ أَيْ: اُكْتُبْ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨] بِالْجَرِّ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ بِالْجَرِّ أَيْضًا، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ قُرْآنٌ عِنْدَ عَائِشَةَ بِدَلِيلِ قَوْلِهَا سَمِعْتهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، إلَّا أَنَّهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ عِنْدَ غَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ تُقْرَأْ عِنْدَ غَيْرِ عَائِشَةَ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِالْعَطْفِ كَالْبَيْضَاوِيِّ. وَصَرِيحُ كَلَامِ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ عَدَمُ الْعَطْفِ وَنَصُّهُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمَقْصِدُ مِنْ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ تَفْسِيرُ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَتَبْيِينُ مَعَانِيهَا كَقِرَاءَةِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ: وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ اهـ وَلَعَلَّهَا رِوَايَتَانِ، لَكِنْ عَلَى حَذْفِ الْوَاوِ تَكُونُ نَصًّا فِي أَنَّ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ اهـ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ كُتُبِ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ قَوْلَهُ: وَالصَّلَاةَ الْوُسْطَى يُقْرَأُ بِالنَّصْبِ حَمْلًا عَلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ وَاحْفَظُوا الصَّلَاةَ الْوُسْطَى. قَوْلُهُ: (سَمِعْتهَا) أَيْ هَذِهِ الْآيَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، وَهَذَا كَانَ قَبْلَ تَحْرِيرِ الْمَصَاحِفِ كَمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ.
قَوْلُهُ: (إذْ