للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُلْنَا: فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ يَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ لَا اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» . قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيُسْتَثْنَى هَذَا الْيَوْمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمَوَاقِيتِ وَيُقَاسُ بِهِ الْيَوْمَانِ التَّالِيَانِ لَهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ سَيُحْتَاجُ إلَيْهَا نَصَّ عَلَى حُكْمِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ مُوَسَّعٌ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا وَإِذَا أَرَادَ الْمُصَلِّي تَأْخِيرَهَا إلَى أَثْنَاءِ وَقْتِهَا لَزِمَهُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ، فَإِنْ أَخَّرَهَا مَعَ الْعَزْمِ عَلَى ذَلِكَ وَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يَسَعُهَا لَمْ يَعْصِ، بِخِلَافِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ وَلَمْ يُقَصِّرْ بِإِخْرَاجِهَا عَنْهُ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَقَدْ قَصَّرَ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ وَقْتِهِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا إذَا تَيَقَّنَهُ وَلَوْ عِشَاءً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَنْزِلُ ابْنُ مَرْيَمَ فَيَتَزَوَّجُ وَيُولَدُ لَهُ وَيَمْكُثُ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيُدْفَنُ مَعِي فِي قَبْرِي، وَأَقُومُ أَنَا وَعِيسَى مِنْ قَبْرٍ وَاحِدٍ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» . وَيُقَالُ: إنَّهُ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ بَعْدَمَا يَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَتَلِدُ لَهُ بِنْتًا فَتَمُوتُ، ثُمَّ يَمُوتُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا يَعِيشُ سِنِينَ، ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَخَالَفَهُ كَعْبٌ فِي هَذَا وَأَنَّهُ يُولَدُ لَهُ وَلَدَانِ يُسَمَّى أَحَدُهُمَا أَحْمَدَ وَالْآخَرُ مُوسَى، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي تَسْمِيَتِهِمَا بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ بُعِثَ بَيْنَهُمَا يَعْنِي بَيْنَ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيُقَالُ: إنَّ مِنْ صَلَاحِ الدُّنْيَا فِي زَمَنِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الصِّبْيَانَ يَلْعَبُونَ بِالْحَيَّاتِ فِي الْأَزِقَّةِ وَلَا تَضُرُّهُمْ وَأَنَّ الذِّئْبَ يَرْعَى مَعَ الْغَنَم فَلَا يَعْدُو، فَإِذَا تُوُفِّيَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَرْجِعُ النَّاسُ إلَى كُفْرِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ وَضَلَالِهِمْ وَعِصْيَانِهِمْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَلَا تُقْبَلُ لِأَحَدٍ عِنْدَ ذَلِكَ تَوْبَةٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: ١٥٨] الْآيَةَ.

قَوْلُهُ: (اُقْدُرُوا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ. وَقَوْلُهُ: (قَدْرَهُ) أَيْ مِنْ أَيَّامِكُمْ.

قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ إلَخْ) هَذَا التَّنْبِيهُ يَشْتَمِلُ عَلَى فُرُوعٍ سِتَّةٍ: الْأَوَّلُ: فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ. وَالثَّانِي: فِي نَدْبِ الْإِبْرَادِ بِشُرُوطِهِ. وَالثَّالِثُ: فِي ضَابِطِ وُقُوعِ الصَّلَاةِ أَدَاءً وَوُقُوعِهَا قَضَاءً. وَالرَّابِعُ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الْوَقْتِ جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ وَوُجُوبًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ. وَالْخَامِسُ: فِي قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ هَلْ هُوَ فَوْرِيٌّ أَوْ لَا؟ وَالسَّادِسُ: فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَهَذَا السَّادِسُ سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فَذِكْرُهُ هُنَا مَحْضُ تَكْرَارٍ اهـ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا) أَيْ وَلَوْ سُنَّ الْإِبْرَادُ؛ لِأَنَّ سَنَّ التَّأْخِيرِ حِينَئِذٍ عَارِضٌ فَلَمْ يَرْفَعْ حُكْمَ الْوُجُوبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ تَوَقُّفُ جَوَازِ التَّأْخِيرِ عَلَى الْعَزْمِ. اهـ. س ل.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَخَّرَهَا مَعَ الْعَزْمِ عَلَى ذَلِكَ وَمَاتَ إلَخْ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَظُنَّ مَوْتَهُ فِيهِ بِهَذَا الْقَيْدِ وَإِلَّا وَجَبَ الْفِعْلُ حَالًا.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الصَّلَاةَ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ يُوجَدُ فِيهَا الْإِثْمُ فِي الْحَيَاةِ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا وَلَا كَذَلِكَ الْحَجُّ، فَلَوْ لَمْ يَأْثَمْ فِيهِ بِالْمَوْتِ لَزِمَ عَدَمُ الْإِثْمِ أَصْلًا فَتَأَمَّلْ ق ل. أَيْ: فَيَفُوتُ مَعْنَى الْوُجُوبِ.

قَوْلُهُ: (فَقَدْ قَصَّرَ بِإِخْرَاجِهِ) أَيْ فَيَمُوتُ عَاصِيًا وَالْعِصْيَانُ مِنْ السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا لَا مِنْ وَقْتِ اسْتِطَاعَتِهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ فَسَادُ الْعَقْدِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ الْعَدَالَةُ إذَا فَعَلَهُ حَالَ عِصْيَانِهِ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُهَا.

قَوْلُهُ: (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا) وَلَا يُمْنَعُ تَحْصِيلُ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ لَوْ اشْتَغَلَ أَوَّلَهُ بِأَسْبَابِهَا مِنْ طَهَارَةٍ وَأَذَانٍ وَسَتْرٍ وَأَكْلِ لُقَمٍ وَتَقْدِيمِ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ، بَلْ لَوْ أَخَّرَ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا حَصَلَ فَضِيلَةُ أَوَّلِهِ، وَلَا يُكَلَّفُ السُّرْعَةَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَلَوْ فَعَلَ مَعَ ذَلِكَ شَغْلًا خَفِيفًا أَوْ أَتَى بِكَلَامٍ قَصِيرٍ أَوْ أَخْرَجَ حَدَثًا يُدَافِعُهُ أَوْ حَصَلَ مَاءٌ وَنَحْوُهُ لَمْ يَمْنَعْهَا أَيْضًا شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَغَلَ لَوْ هُنَا مَصْدَرِيَّةٌ وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرِ فَاعِلٍ قَوْلُهُ يُمْنَعُ وَمِثْلُهَا فِي أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ قَوْله تَعَالَى: [ {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} [القلم: ٩]] .

قَوْلُهُ: (وَلَوْ عِشَاءً) لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ الْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ» . فَجَوَابُهُ أَنَّ تَعْجِيلَهَا هُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ وَلَا يَرِدُ أَيْضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>